الذئب ما كان ليكون ذئبا لو لم تكن الخراف خرافا

عادة ما يتم الحديث في الأوطان العربية وفي دول المغرب الكبير عن الطغاة وعن الأنظمة الاستبدادية، التي أذاقت شعوبها مرارة التسلط والقمع على مر عقود من الزمن، حيث نجد هذه الشعوب تشتكي لربها ظلم الحكام واستغلالهم لها في صورة مأساوية يندى لها الجبين ، حيث تلقي الشعوب اللوم على هذه الأنظمة دون أن تفكر يوما في  السؤال المتعلق بمن صنع هذه الأنظمة؟ وعن دور تلك الشعوب في دعمها وضمان استمراريتها ؟

على مدار التاريخ ابتليت البشرية بشخصيات مستبدة لطخت صفحات الماضي بالقمع والظلم والطغيان، فكانت بمثابة النقمة التي أهلكت البلاد والعباد ، حيث هناك من صور نفسه إله وهناك من صور نفسه خليفة الإله في الأرض يستمد شرعيته منه ،حيث أطلقوا العنان لأنفسهم لحكم الشعوب بالقوة والعنف، وأغرقوا بذلك الشعوب في وحل الديكتاتورية البغيضة.

للتسلط في التاريخ أمثلة كثيرة قدمت صورة سوداوية على من أذاق شعوب العالم مرارة التسلط، فمن منا لا يتذكر نيرون الذي أحرق روما عن بكرة أبيها، وجلس ضاحكا يتفرج عليها ، ومن منا لا يتذكر هتلر الزعيم الأحمق الذي قاد 45 مليونا من المدنيين والعسكريين إلى الهاوية ، ومن منا لا يتذكر ماوتسي تونغ الذي رفع شعار "السلطة السياسية تنبع من فوهة البندقية الذي قتل به معارضيه ، ومن منا لا يتذكر لويس الخامس عشر الذي لخص الطغاة لأنفسهم وشعوبهم عندما وقف أمام برلمان باريس ليختزل الأمة في شخصه وحده قائلا " في شخصي وحده تجتمع السلطة "ومن منا لا يتذكر طغاة العصر الحديث من صدام حسين الذي دمر بلده وثرواته ، والقذافي الذي كان يستعبد الشعب الليبي، والذي كان أقرب من أن يعلن أنه الإله المسيطر ، ثم زين العابدين بن علي وحسني مبارك في مصر.  فهؤلاء كلهم لم يخرجوا من فراغ ، ولم يحصلوا على السلطة من عبث وإنما السبب في وجودهم، هو شعوبهم التي سعت على الدوام إلى التطبيل لهم والإعلان عنهم بمثابة الزعماء الذين لا مثيل لهم في الحكم .

الشعوب في العالم العربي وفي دول المغرب الكبير، ما تزال تسير في اتجاه التصفيق للأنظمة المستبدة ، وما تزال تضع مصيرها بيد من أفسد في حقها دون أن تفكر أنها بذلك تساعد على  استمرار الطغيان، بالرغم من التجارب التي أثبتت أن هدف هؤلاء هو الحفاظ على عروشهم ولو كان ذلك على حساب الشعب الذي قتلوا فيه روح التغيير، وزرعوا فيه الشك وانعدام  الثقة وتمكنوا من اللعب بمشاعره، ومن ثم التمكن من قيادته لأطول فترة ممكنة .

مشكلة الشعوب في أوطاننا لا تملك إرادة التغيير وتستكين إلى ما يمليه الحاكم المستبد دون أن تتجرأ على المطالبة بأبسط الحقوق ، حيث تتعايش مع الاستبداد وتصبر على الظلم دون مبررات، وكأن القدر حتم عليها الخنوع والخضوع لهؤلاء، وبالتالي تستسلم للاستبداد وتعطي المستبد الإشارة الخضراء لسلك طريق الديكتاتورية والركوب على مصالح الشعوب،  وهذا حال أغلب شعوب العالم العربي وشعوب دول المغرب الكبير، التي من شدة سكوتها على الظلم تولد لديها ما يسمى بفوبيا الحكام فأصبحت تنتظر أن يأتيها التغيير بوحي من الله أو يمن عليها هؤلاء الحكام بالديمقراطية المزيفة كما هو ملاحظ الآن بعد ثورات الربيع الديمقراطي .

إذا كان الاستبداد لا يقبله المنطق ولا يؤمن به من يحس أنه حر شريف في وطنه ، فإنه في المقابل هناك شعوبا في أوطاننا تحاول إتاحة الفرصة للاستبداد، وتوفر له الشروط الملائمة لاستكمال حلقاته دون مبرر معقول ، فإذا كان التفكير بمنطق هؤلاء يستدعي العيش في غياب كلي لأدنى شروط الحياة الكريمة ، والسكوت على الظلم والطغيان ، فإن هناك ما هو أبعد من ذلك مادام أن للإنسان عقلا يفكر به ، فلا يكفي أن يعيش الإنسان على الخبز ولا يكفي أن يتناسل داخل الجماعة لأن هذا كله ليس مبررا كافيا للارتماء في أحضان الاستبداد والتسلط .

فضعف الشعوب وتخلفها عن المطالبة بحقوقها ،وتصديق رواية الأنظمة الفاسدة هو السبب الرئيس لكل ما وصلت إليه من مظاهر الاستبداد، التي فتحت المجال لتلك الأنظمة الديكتاتورية  لبناء صروحها على أنقاض الأبرياء المخلصين الذين لا ذنب لهم سوى القبول بهذه الأوضاع التي قادت معظمها إلى الهاوية .

نأسف للشعوب في أوطاننا التي ذهبت في اتجاه دعم أنظمة الاستبداد ونأسف لها عندما تضيع فرص التغيير التي قلما يجود بها الزمان ، فالديمقراطية التي غالبا ما يتم إجهاضها من طرف الشعوب أنفسها أكبر نعمة لها كي تمارس من خلالها حياة كريمة مستقرة ، فالديمقراطية ليست هبة من السماء ولا منة يمن بها الحكام على شعوبهم ،بل هي طموح تسعى الشعوب إلى تحقيقه وإن كان ذلك يحتاج إلى بعض التضحيات  فما أحوجنا إلى الديمقراطية وما أحوجنا إلى شعوب تؤمن بالديمقراطية حق الإيمان .