التلفزة المغربية... شر لابد منه
هذا ينفث دخان سيجارته على كوب القهوة الذي امتص آخر قطرة بن فيه ويقول: من الحمارة للطيارة... واحد دخل للتمثيل صدقات ليه، ترامى على الإخراج .. والإنتاج...ولا كيعرف كلشي... سبع صنايع والرزق ضايع... فيرد عليه زميله الذي تضايق من دخانه: راه حنا لي ضايعين، كنتفرجوا في سكيتشات ومسلسلات ديال موموات...وشي واحدين ما بقاوش قادرين يألفوا.. ولا و يمثلوا بنا في الكاميرا الخفية... طفي طفي ذاك الكارو وقول لمول القهوة يهز التيليكوموند ويفوت القنوات المغربية ويحط.... ... حوار هاذين الشابين نموذجا للحوارات التي تدور حول الوضع المأساوي للقنوات التلفزيونية الوطنية داخل المقاهي والمنازل المغربية، لدرجة أن معظم المقاهي والمنازل حولت صحونها نحو الفضائيات، واختارت أهونها ( الأخبار أو الرياضة)، ولو أن مكانتها تبقى محفوظة داخل البيوت المغربية في انتظار أن تأتي بالجديد المفيد. وعوض أن يتابع المشاهد المغربي الأعمال الفنية ومحاولة الاستفادة منها ثقافيا وترفيهيا واجتماعيا و... نجد المشاهد يركز على نقط ضعفها وعشوائيتها وعبثها. الذي يجده له المشرفون على برامج العبث تبريرات مختلفة لا علاقة لها بالفن والإبداع.
فقد ضلت البرامج الرمضانية للتلفزة المغربية، محط اهتمام المشاهدين المغاربة طيلة سنوات مضت، رغم انتقاداتهم لضعف مستوى بعضها وهزالة بعض فقراتها واعتمادها أساليب متشابهة في الكوميديا والمسابقات والكاميرا الخفية... مغاربة يأملون في منتوج ثقافي وفني ينسيهم (خردات) البرامج الرمضانية السابقة... لكن لاشيء تغير، بل إن مجموعة من المشاهدين أكدوا تدني البرامج التي عرضت خلال الشهر الفضيل الجاري مقارنة مع ما سبق، مشيرين إلى الفراغ الإنتاجي وضعف التأليف التلفزي والمسرحي والسينمائي الذي جعل مخرجين وممثلين وأناس عاديين من حاشية موظفي القناتين، يشتغلون في التأليف والتمثيل في سلسلات ومسلسلات تم طبخها بطريقة (الكوكوت مينوت) قبل حلول رمضان وخلال أيامه الأولى. وتقديم نكت سخيفة لا موضوع لها ولا طريقة إلقاءها تثير شهية المشاهدين المحبطين.
ولعل آخر إفرازات المنتجون الجدد للفكاهة في رمضان تركيزهم على حلقات الكاميرا الخفية، التي تنتهي كل حلقة من حلقاتها باستغباء المواطنين بسبب مشاهد مطبوخة و معدة مسبقا لتقديمها على أساس أنها كاميرا خفية. يكون فيها التواطؤ الشامل من الضحايا الوهميين والمشرفين على زرع الوهم ومحاولة إقناع المشاهدين، ويكون فيها المشاهد المغربي الضحية رقم واحد. انتقدوا حلقات سلسلة (جار ومجرور) التي تلذذ باستغفال واستبلاد المشاهدين، وتسبب في بكاء وحزن وغضب وإهانة مواطنين ومواطنات أرغموا على التعرض لمواقف سخيفة. تؤكد بالملموس أن شخصية وسمعة وشرف المواطن المغربي كان آخر شيء فكروا في الحفاظ عليه. وأن ضحايا كل تلك الحلقات التي أذيعت وغيرها من الحلقات التي انتهت ب(التعوريط) ولم تذاع، عليهم أن يشكلوا فريقا واحدا ومقاضاة أصحاب تلك الأفكار السخيفة. أصبح المشاهد المغربي الذي ينتظر بشغف آذان صلاة المغرب لإشباع شهوات البطن، ينساق وراء برامج القناتين الأولى والثانية وخصوصا في الفترة ما بين وجبتي الفطور والعشاء، حيث يشتد العراك حول من يتكلف بجهاز التحكم عن بعد(التليكوموند)، وحول الفقرات المراد مشاهدتها بالقناتين، وإن كانت تشغل بال الأطفال أكثر من الآباء بمقاطعها الغنائية ورقصات ممثليها... أصبحت إذن وجبات القناتين بغض النظر عن طبيعتها ومستوى جودتها ضمن طقوس الشهر الفضيل، يحاول المشاهد امتصاص ما استطاع من متعة وابتسامة دون جدوى، فمعظم أنشطتها بها عطاء باهت و مواضيع ركيكة.
علامات استفهام كثيرة همست وصرخت بها بعض الأسر ، حول مستقبل المسرح والسينما والمسلسلات المغربية في ضل التنوع الرديء الذي أقتحم منازلهم، وأرغم بعضهم على تناول وجبات الفطور بعيدا عن القنوات المغربية، فيما اختار آخرون الإمتثال لأبنائهم الذين اعتادوا على امتصاص كلمات بعض الفنانين وحركاتهم ليرددوها بينهم دون معرفة لمعانيها وللسياق الذي ذكرت فيه... تأسف العديد لوجود ممثلين لهم مؤهلات كبيرة يقبلون تشخيص أدوار باهتة، يتناولون مواضيع سخيفة، ويتسترون وراء كلمات خيل لهم أنها مفتاح لقلوب وعقول المشاهدين، فتغيب نجوميتهم ويدبل عطاءهم مع مرور حلقات السلسلة أو المسلسل، واقترحوا على هؤلاء الممثلين المعجبين بسماع رنين كلماتهم عبر الشوارع والأزقة يرددونها الأطفال، أن ينشغلوا بأعمال خاصة بالأطفال، وأرجحوا سبب إقبالهم على أعمال دون المستوى وقبولهم أدوار مرتجلة إلى وضعهم المالي المحرج.. فما أن يعجبوا بحلقة ما من إحدى السلسلات أو بعض المواقف الساخرة، ويأملون مجددا في متابعتها، حيث يفاجئون بمواضيع أخرى باهتة، ومواقف سخرية نحس أنها تسخر أساسا من المشاهدين الذين انساقوا وراءها.
إن ما تقدمه القناتين خلال فترة الفطور هو اجتهاذ فقط للممثلين أنفسهم وأن مواضيعهم وتشخيصاتهم ليست وليدة رواية أو سيناريو أو قصة، وأن الارتجال الذي نلمسه عادة على خشبة المسرح بحكم الإلقاء المباشر، يظهر جليا داخل المسلسلات والسلسلات والمواقف الساخرة التي تقدمها القناتين.
وذهب البعض إلى أن برامج القناتين لا تخضع لأدنى تصنيف، وأن الأطباق التي تقدمها القناتين خلال شهر رمضان داخل أي لون من الألوان الفنية، غامضة، ويغيب فيها التركيز على الجوانب الخاصة بكل نشاط فني تعتزم إنتاجه(تقنيات الإخراج والسيناريو وانتقاء الممثلين على أساس مؤهلاتهم ومدى انسجامهم مع الأدوار عوض سلك طرق الزبونية والمحسوبية...). وتلتقي معظم الأسر المغربية حول الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تدهور عطاء القناتين، حيث أكدوا أنه إلى جانب ضعف الإمكانيات المادية وقلة الأطر الفنية في مجالات الإخراج والتقنيات وكتابة السيناريو، تعاني القناتين من غياب قسم فني خاص داخلها به كفاءات ، يمكنها انتقاء الصالح من الأعمال الفنية ورفض الطالح، واعتماد أسلوب البقاء للأصلح بعيدا عن كل الحسابات الأخرى.
كما تأسفوا لغياب شركات قادرة على إنتاج أعمال فنية بعيدا عن القناتين باستمرار، عوض التعبئة السنوية التي تلجأ إليها القناتين ومعهم بعض شركات الإنتاج لتوفير أعمال فنية موسمية خاصة بشهر رمضان، واعتبروا أن بطالة الممثلين المغاربة تزيد من إحباطهم وتنقص من عطاءهم وتجعلهم يقبلون بأدوار سخيفة، وتلقي كل ما يعرض عليهم دون التفكير في مصيرهم كفنانين أمام حكم لا يرحم اسمه المشاهد.
و أشار بعض الذين تابعوا في وقت سابق أعمال مسرحية لبعض الفنانين المغاربة، أن هؤلاء فقدوا حسهم الإبداعي والكوميدي بعض أن دخلوا غمار الأعمال التلفزيونية وتساءلوا عن سبب هزالة مواقفهم الساخرة داخل السلسلات والمسلسلات، في الوقت الذي فتح لهم فضاء غير مباشر مع الجمهور وأصبح بإمكانهم تقييم أعمالهم وإصلاحها قبل عرضها على المشاهدين، كما تأسفوا للبعض منهم الذين اقتحموا مهام جديدة كان بالأحرى تركها لأصحابها والإكتفاء بصقل مواهبهم في التمثيل.