مناضلون في العهر
خرج علينا مؤخرا مجموعة من الشباب ممن يسمون أنفسهم بالمناضلين الأحرار ، المدافعين عن الحريات والمتضامنين مع إخوانهم في العهر الذين وجدوا في الشارع السبيل الوحيد للكشف عن مكبوتاتهم الحيوانية ،والإفصاح عن أمراضهم التي ابتلوا بها ، معتقدين أنهم بذلك قد حققوا الانتصار على الرجعية وعلى الظلامية التي وقفت في طريقهم نحو التقدم والازدهار هكذا يعتقدون .
ما وقع في الرباط وغيره من المدن المغربية من الاحتجاج بالقبل من طرف بعض الشباب الذين استغلوا حادثة مراهقي الناظور اللذين جرى اعتقالهما على خلفية صورة حميمية وركبوا عليها للإفصاح عن أمراضهم التي أبوا إلا أن يقدموها للمغاربة على المباشر، يطرح أكثر من تساؤل حول هذه الوقفات الاحتجاجية التي أصبحنا نشاهدها في الساحة ، ماذا يعني هؤلاء بالنضال ؟ وماذا يقصدون من وراء تلك الشعارات المدافعة عن الحرية ؟
لم يكن خروج هؤلاء الشباب وتبادل القبل في الرباط سوى استكمالا لمسلسل الكبت والعهر الذي يمارسه هؤلاء والذي بدأه إخوانهم في العهر والجهالة، من الذين يحرصون على استغلال مثل هذه الأحداث للفت أنظار العالم ،وإضفاء الشرعية على أعمالهم وكسب مزيدا من التضامن من طرف الشعب المغربي الذي لا يفوت فرصة إلا ويستنكر مثل هذه الأعمال التي لا يقبلها العقل السليم ولا تقبلها الفطرة الإنسانية .
كان من الممكن جدا لهؤلاء الذين حملوا شعار النضال ورفعوا أعلام الدفاع عن الحريات ،أن يتضامنوا مع الشعب المغربي الذي يعيش الآن أزمات لا تنتهي ، وأن يتضامنوا مع أولئك الفقراء الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم ، وكان من الممكن لهؤلاء أن يتضامنوا مع من يناضل من أجل الحرية من الصحفيين الذين يزج بهم في السجون لمجرد رأي يقلق أصحاب النفوذ، وأن يقفوا في وجه كل أشكال العنف الذي يمارس على المغاربة المطالبين بحقوقهم بدل النضال في العهر والدفاع عنه.
أي نضال يتحدث عنه هؤلاء وأي تضامن يطبلون له، إذا كانوا يتحدثون من برجهم العاجي ، دون أن يدركوا حقيقة ما يجري على الأرض ، فالتضامن يقتضي التضحية بالغالي والنفيس من أجل الشعب الذي يئن من الألم ، والذي يعيش أوضاعا مزرية ، وليس النضال من أجل الإعلان عن مكبوتات وأمراض أدخلوا عليها طابع الدفاع عن الحريات زورا وبهتانا .
إذا كان هؤلاء الذين يناضلون في العهر، يؤمنون حقا بالنضال وبالحريات وبحقوق الإنسان فلماذا لا نسمع ولو صوتا من أصواتهم هذه تنادي بإطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين الذي يقبعون في السجون ، ولماذا لم يتضامنوا مع الصحفيين الذين يعتقلون يوميا بسبب أقلامهم ، ولماذا لم يخرجوا دفاعا عن أولئك الذين ينامون في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ، ولماذا لم يناضلوا من أجل "الزروطة" التي تطال المعطلين الذين يناضلون من أجل حقهم المشروع .
المشهد واضح تماما لا يحتاج إلى تفسير ، نضال القبل وتبادل العهر من طرف هؤلاء لا شك أنه يدخل في الحملة التي تسعى إلى إعلان الحرب على الأخلاق ونشر مظاهر العهر التي لم تعد يثير حفيظة هؤلاء ، وإعلان الحرب على مبادئ الحرية المتعارف عليها عالميا ، أما النضال الحقيقي فيبقى من اختصاص أبناء الشعب "الرجال" الذين يؤمنون بالنضال حقا والذين يضحون بالغالي والنفيس من أجل الكرامة والحرية .
دعاة الحرية المزيفة لا يناضلون من أجل إسقاط الاستبداد والتسلط ولا يناضلون من أجل تحقيق الديمقراطية والكرامة ، بل تجد هؤلاء أشد حرصا على التطبيل للاستبداد شريطة أن يكون مقترنا بالعهر حتى يتمكنوا من الإعلان عن مكبوتاتهم المرضية وهذه هي حقيقة من يخرجون علينا حاملين شعارات الحرية التي لا يعرفون إلا اسمها .