مصر على شفا حرب أهلية
لا شك أن أحكام الإعدام التي أصدرتها محكمة جنايات المنيا بمصر في حق 528 من أنصار الرئيس محمد مرسي، هو بداية الدفع بالدولة المصرية إلى الهاوية، وجعلها عرضة لحرب أهلية محتملة ، خاصة وأن هذه الأحكام جاءت في سياق الحملة الانتقامية التي تشنها سلطات الانقلاب على كل المعارضين سواء أكانوا من الإخوان أو من غيرهم ، فالمصريون سواسية كأسنان المشط أمام آلة القمع العسكرية التي لم تدع وسيلة إلا واستعملتها من أجل أن تضمن لنفسها البقاء في السلطة إلى آجل غير مسمى.
كنا حقيقة لا نريد أن نصدر أحكاما في حق القضاء المصري، ولم نكن نريد الحديث عنه بسوء إلا بعد أن فاحت رائحة الفساد من القضاء، وتبين أن المؤسسة القضائية لا تسير إلا باستشارة من العسكر، وهي الآن في طريقها إلى جعل مصر ملاذا للحرب الأهلية بعد تلك الأحكام الصادرة والتي تحمل في طياتها نوعا من الانتقام المعلن الذي تستعمله سلطات الانقلاب في حق أبناء الوطن الرافضين لعودة العسكر إلى الحياة السياسية .
من حق المصريين أن يكرهوا جماعة الإخوان كما يريدون ، ومن حقهم أن يحقدوا عليها كل الحقد فأهل مكة أدرى بشعابها كما يقال ، لكن ليس من حقهم أن يحقدوا على الوطن الذي يجمعهم ،فالأحكام الصادرة في حق هؤلاء المواطنين بعد يومين من بدء المحاكمة، هي أحكام فاسدة بدون منازع ومؤشرات فسادها ظاهرة للعيان لا أحد يستطيع إنكارها ، ولا شك أنها تروج للعنف ، وللفتنة والاقتتال الداخلي الذي أصبحت مصر على وشك الوصول إليه.
مصر مقبلة على أيام عصيبة ، والشعب هو من سيكون الضحية أما العسكر فهو ماض في تنفيذ مخططاته الرامية إلى إعادة مصر إلى الوراء لعقود من الزمن، مثل هذه الأحكام ستدفع بالشعب المصري المغلوب على أمره أن يفكر في حمل السلاح للدفاع عن نفسه وهذا ما سيؤدي بمصر إلى السقوط في أتون حرب أهلية ستكون بمثابة النهاية للدولة المصرية ، ولطموحات أبنائها الذين كانوا ينتظرون أن تمن عليهم الثورة بالديمقراطية والحرية.
ما نشاهده الآن في مصر مؤسف للغاية، وعربون تأكيد على أن مستقبل مصر في خطر ، فمحاولة العسكر الذي سرق الثورة من أبناء الوطن ، عبر انقلاب عسكري أطاح برئيس شرعي جاء عبر انتخابات نزيهة شهد الكل على نزاهتها ، والحرب التي يشنها ضد كل المعارضين للانقلاب عبر القتل أو عبر الزج بهم في السجون ، أو عبر التخلص منهم عبر جملة من الأحكام الانتقامية ، هو بداية لعسكرة تلك الصراعات وإخراجها من سلميتها والانجرار إلى العنف الذي يعرف الكل أن عواقبه ستكون وخيمة على أمن مصر وشعبها.
فساد المؤسسة القضائية قد ظهر منذ الوهلة الأولى ، فكما كانت في العهد السابق ألة في يد حسني مبارك يستعملها كلما أراد البطش بمناوئيه ، هاهي الآن تقف إلى جانب المؤسسة العسكرية وتصدر أحكاما جائرة في حق المواطنين، كل ذلك في سبيل إسكات صوت هؤلاء وإعطاء الإشارة للسيسي للتربع على عرش مصر ليتسنى له بناء نظام ديكتاتوري تكون فيه الكلمة الأولى للعسكر دون غيره .
القضاء المصري فقد صوابه وقريبا سيعلن إفلاسه ، بعد أن دخل في هذه اللعبة القذرة وابتعد عن دوره المشرف ،وانساق وراء تلك الحملة التي يشنها السيسي وأعوانه على البلاد والعباد ، فكيف يطمح الشعب المصري إلى دولة ديمقراطية عادلة والقضاء الآن أصبح في خدمة أجندات ثلة من الانقلابيين الذين وصلوا إلى السلطة عبر القوة ، ويعمل كل ما في وسعه من أجل حمايتهم.
ربما حضور القضاء المصري يكون أكبر عندما يتعلق الأمر بالمعارضين الذين يطالبون بالعودة إلى الشرعية ، أما من ساهم في قتل أبناء الشعب مع انطلاق ثورة 25 من يناير وأهلك الحرث والنسل وأعاد مصر إلى الوراء ، فهؤلاء كلهم قد حصلوا على صكوك الغفران من طرف القضاء وتوجوا بالنياشين تقديرا لأعمالهم النبيلة التي أعادت الديكتاتورية البغيضة إلى أرض مصر ، بعد أن اعتقد الكل أن نهايتها قريبة .
ليست لدينا أية علاقة بالإخوان في مصر، ولسنا بصدد الدفاع عن مشروعهم الذي لا نتفق معه على الإطلاق ، وإنما هدفنا أن نحاول الوقوف عند النكسات التي تعيشها الديمقراطية في مصر ، والتي تنذر بمستقبل مجهول ينتظر الشعب المصري ، خاصة بعد أن أصبحت المؤسسة القضائية المتحدث الرسمي باسم العسكر ، ففساد القضاء هو لا شك أنه سيفتح الباب لكل المتناقضات وستصاب الدولة بالشلل لا محال ، ومن ثم الدفع بالبلد إلى مستنقع التشرذم والاقتتال .
مصر الآن في مفترق طرق ، واستمرار العسكر في التدخل في الحياة السياسية، وتسخير المؤسسات لصالحه ، بما فيها المؤسسة القضائية التي استعملت كأداة للانتقام من المعارضة ، لن ينقل مصر إلى بر الأمان ولن يستطيع إعادة الهيبة للدولة المصرية ، بل خطورة المرحلة تفرض على الكل أن يعيد التفكير في مصلحة الوطن والتخلص من الأحقاد التي لا تولد سوى الأحقاد ، وأن يتم الاحتكام إلى الحوار ، لأنه السبيل الأوحد لبناء مصر التي نتمنى أن تستعيد عافيتها في القريب العاجل .