الشباب و سؤال الغزو الفكري، ما العمل؟
ذكرنا في المقالة السابقة حول "آفات التراجع الثقافي عند شباب الأمة"، أن تراجع الاهتمام الثقافي بشكل عام وفي المؤسسات الشبابية بشكل خاص، يعود بالعديد من الآفات الخطيرة عليهم وعلى المجتمع، لعل أسوأها حالة الالتباس والضبابية والسطحية والغثائية التي يحدثها عند ضحاياه، فلا يعرفون من الأفكار الصائب من الخاطئ، ولا يميزون بعض السلوكات السوية المتينة من غيرها المعوجة المضطربة، ولا يفرقون في تعاملهم ومواقفهم – إن كانت لهم مواقف – بين الصديق الحميم والعدو اللئيم..، وكل ذلك ربما لاضطراب مرجعيتهم الفكرية وفقدان بوصلتهم القيمية واختلاط اتجاهاتهم وتوجهاتهم، مما يجعلهم - بلا شك - لقمة سائغة لدى أي طرف مستهدف لهم ومنظومة متربصة بهم، تستطيع موجتها جرفهم بيسر حتى وإن هاجت عاتية ضد أنفسهم ومصالحهم أو مصالح وطنهم وأمتهم؟.
من هنا، فإن الاهتمام بالشأن الثقافي الذي ندعو إليه وغيرنا من الغيورين والمهتمين، هو الشأن الثقافي الصحيح.. البناء.. وليس المنحرف.. الهدام.. خاصة وأن الساحة الثقافية والفكرية عندنا كما في كل العالم، تعج بكل شيء تنظيرا وتفكيرا.. ممارسة وتنشيطا، من أقصاه الجدي الهادف البناء إلى أقصاه السلبي العبثي الهدام. كما أن هذه الساحة الواسعة الفسيحة، ملغومة في الشأن السياسي والثقافي وحتى في الحقل التربوي والديني، ولا يحتطب من غابتها بسلام كل من يفتقد مفاتيح الولوج وأدوات الاحتطاب البيئي السليم، و من خانته الرؤية البصيرة والعزم والحزم لا يخرج من أدغالها بسلام، لأن فيها من الحلقيات الفلكلورية والجوقات السوقية والكلاليب والخطاطيف والفوقعات الهلامية والفرقعات الصورية، ما يجعل المرء لا أرضا يقطع ولا ظهرا يبقي؟.
وكيف يبقي الظهر التربوية ويقطع الأرض الثقافية:
1- من يعود من تعاطيه الفكري وممارسته الثقافية بمجرد الخجل والاستحياء من انتمائه الديني ولا يجرأ على الإعلان عن هويته وانتمائه فبالأحرى أن يدعو ويدافع عنهما؟.
2- من يرى دينه لا يصلح إلا أن يكون تابعا لا متبوعا.. وبالتالي فهو يختفي عنده بسهولة أمام كل فلسفات ونظريات وقوانين وهرطقات الآخرين، ولا يصلح أن يكون بديلا كما قال رسول الله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والله لو كان عيسى بن مريم حيا بيننا لما وسعه إلا أن يتبعني"، أو كما قال هو ذاته رضي الله عنه:" لقد أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله"؟.
3- من يرى دينه على غير حقيقته.. جزء بسيط لا كل متكامل.. أو لا يراه شريعة ربانية ذات مراجع وإجماع، بل انحراف من الانحرافات الوضعية من أقصاها البدعي الطرقي.. إلى أقصاها الداعشي الوحشي، هل كتب على الإنسان في اعتقاد هؤلاء ألا يكون مسلما إلا إذا كان متوحشا.. إرهابيا.. متطرفا.. فاشلا.. شبقا.. متخلفا..؟
4- من يلبس دينه كل الدعوات السمية المتطرفة والشبهات الاستشراقية الكيدية المغرضة وهي لا تفتىء تنال من قائدنا الأعظم ورسولنا الأكرم الذي برأه الله تعالى من فوق سبع سموات وكفاه وأعلاه وارتضاه لنا قدوة وأسوة حسنة، فقال: "وإنك لعلى خلق عظيم"، وقال:" لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ".
5- من في كل الساحة الدينية الشاسعة لم تستهويه إلا المسالك الضيقة الخانقة للتقليد والجمود والاختلافات الفقهية والصراعات المذهبية والفرق الكلامية التي تلزم أهل عصرها ولا تلزم غيرهم، باعتبار ديننا دين التجديد والاجتهاد.. دين الابداع والإقناع والإمتاع لا دين الاتباع والجمود خاصة في ما استحدث للناس من أمور دنياهم.
6- من يخوض غيره في أعراض المسلمين وقاداتهم وعلمائهم وزعمائهم، ولا يجد غضاضة في الاستماع إليه وإقراره على ذلك، بل ربما خاض مع الخائضين دون بينة ولا تحقيق ولا تأكد من مصادر الأخبار ومدى ثقة ومصداقية المدعين أفرادا وهيئات، والتي ربما كان لهم بوق دعاية بكل ما أوتي من صفحات وتطبيقات ولا يبالي..
إنه الغزو الفكري ومثالبه المقيدة قيد خيوط العنكبوت.. تخنق ضحاياها في مثالب دين عاجز على غير حقيقته ولا واقعه ولا تاريخه الوضاء وحضارته العريقة التي لا تزال شمسها تسطع رحمة وأخلاقا وإبداعا وإمتاعا على كل العالمين، فهل تستطيع مؤسساتنا الدعوية وجمعياتنا المدنية وقطاعاتنا الحكومية الشبابية والتعليمية والتربوية والتكوينية أن تعيد تربية شبابنا إلى سكتها الآمنة الوسطية بعيد عن كلاليب ومخالب الغزو الفكري وتطرفه الثقافي وفولكلوريته الفرجوية وعبوديته البحثية للغرب وفي مواضيع لا تسمن ولا تغني من الواقع في شيء؟، هل يستطيع شبابنا أنفسهم أن يتبصروا بحقائق الأمور، ويتملكوا بأنفسهم مفاتيح أبوابها وعوالمها؟، بلى، إنهم يستطيعون، فقط، بتصحيح بعض المفاهيم الفكرية وبعض الممارسات السلوكية التي تعيد للتدين في حياتهم وهجه وحقيقته.. وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ؟.