ماذا عن ممانعة النظام السوري الآن؟
يبدو أن النظام السوري الذي صدع رؤوس العالمين بمصطلح الممانعة منذ عقود من الزمن ، والذي طالما يعطي للعالم دروسا في المقاومة قد ظهر على حقيقته بعد أن قبل بالحل الذي يقضي بالتخلص من سلاحه الكيماوي لمنع أي ضربة غربية كانت من الممكن أن توجه إلى سورية ، حيث لم يعد لهذا النظام مجال للحديث عن البطولات ولا عن المقاومة بعد أن رضخ الإملاءات الغربية التي كان دائما يرفض الاستجابة لها .
الكل يعلم أن النظام السوري ارتكب في حق الشعب أبشع الجرائم ، واستخدم كل ما يملك من أسلحة من أجل إرغام الشعب على التراجع عن الثورة ، والغرب نفسه يعلم يقينا أن النظام يملك كل تلك الأسلحة التي يستخدمها الآن ضد الشعب ،ولأن هذه الأسلحة كانت في يد النظام والمجتمع الدولي كان يعلم أن هذا النظام هو الكفيل بحماية مصالح أمريكا وإسرائيل فإن الغرب لم يتخذ أي خطوة ضده إلا بعد أن تأكد أن نظام بشار قد تهاوى وأصبح غير قادر على تأمين السلاح الكيماوي والمحافظة عليه، لذلك قامت أمريكا وبدأت تناور من أجل توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري من أجل أمن إسرائيل وتمنع سقوط تلك الأسلحة في يد الجهاديين ، وليس حبا في سواد عيون الآلاف من السوريين الذين يقتلون بدم بارد .
عندما أحس النظام السوري الممانع بضربة عسكرية قد تنهي حكمه بدأ بتقديم التنازل طواعية وبلا أدنى شروط ، وقبل بتسليم سلاحه الكيماوي بغية منع حدوث أي ضربة عسكرية ليصح القول بذلك أن شعار الممانعة الذي حمله النظام السوري ضد الغرب كان فقط من أجل إقناع الشعب بأنه لا بديل عن نظامه الديكتاتوري إذا كان هذا الأخير مما نع ومقاوم للهيمنة الأمريكية في المنطقة ، الغرب تغاضى الطرف عن الأسلحة الكيماوية التي كان يستعملها النظام السوري ضد الشعب منذ بداية الثورة وليس الآن فقط ، وكانت لديه أدلة بأن للنظام مخزون من الغازات الكيميائية التي تشكل خطرا على الشعب السوري ، ولأنه يعلم جيدا أن هذا النظام الذي لم يتجرأ على إطلاق رصاصة واحدة في اتجاه العدو الإسرائيلي منذ أكثر من أربعين عاما هو النموذج الأفضل للغرب لتحقيق مزيدا من أطماعها التوسعية في فلسطين وسورية وفي بلاد إسلامية هي الآن في عيون إسرائيل تنتظر الفرصة السانحة للاستيلاء عليها .
أنظمة الممانعة هذه التي تتهم الدول الأخرى بالرضوخ للإملاءات الغربية وترفع شعار المقاومة تبين مليا أنها من أشد الأنظمة حرصا على الرضوخ للغرب وتحقيق مصالحه، بغية البقاء في السلطة إلى آجل غير مسمى و الدليل هنا موقف النظام الآن من الأسلحة الكيميائية التي كان دائما يصر على أنها ضد إسرائيل وأنها موجهة ضد العدو ، لتنتهي به الفضيحة مؤخرا ليقبل بالطرح الروسي الذي يقضي بوضع الأسلحة تحت المراقبة الدولية لتسقط بذلك كل تلك الشعارات الجوفاء التي استخدمها النظام بمساعدة من ايران وحزب الله الذي لا زال يقتل ويدمر كل ذلك باسم الطائفية التي من أجلها دخل سورية.
إذا كان رفض الإملاءات الغربية أو على الأقل إظهار رفضها مقاومة وممانعة كما يحلو للنظام تقديمه للشعب السوري، فماذا نسمي القبول بتسليم الأسلحة الكيميائية للغرب دون شروط ؟
يجب بالفعل أن نعترف وبكل أسف أن ما كنا نعتقد بأنه الممانعة ظهر على حقيقته وأن من كنا نعتقد أنهم يسيرون في خط المقاومة هم أيضا ظهروا على حقيقتهم ، وأبانوا أنهم عملاء للغرب والصهاينة لا يخطون خطووة إلا باستشارة منهم ، فالنظام الذي لا يتوانى في قتل شعبه وذلك باستخدام كل ما أوتي من قوة ، والذي يحصد اليابس والأخضر قادر وبلا أدنى شك أن يكون عميلا خائنا لوطنه وشعبه وقادر على أن يسلم ليس فقط أسلحته للغرب ، بل قادر أن يبيع شعبه بأكمله مقابل أن يبقى حاكما على الكرسي وما نموذج بشار سوى صورة حقيقية للخيانة العظمى التي يتصف بها من يطلقون على أنفسهم أبطال "المقاومة والممانعة ".
بعد أن قبل النظام السوري "الممانع" بتسليم السلاح الكيماوي وتراجع الغرب عن فكرة توجيه الضربة العسكرية له ، يكون المنتظم الدولي قد فتح المجال لهذا النظام لارتكاب المزيد من الجرائم في حق الإنسانية، فما أراده الغرب من تلك الحملة هو تأمين إسرائيل من الأخطار التي يمكن أن تهدد أمنها وقد نجحوا في ذلك واستطاعوا أن يجعلوا إسرائيل تطمئن وتنام قريرة العين من بشار وسلاحه ، لتطلق العنان لهذا النظام الذي يسفك الدماء ويقول هل من مزيد؟
المجتمع الدولي الآن بعد تراجعه عن فكرة شن هجمات على النظام السوري قد أعطى الضوء الأخضرلهذا للنظام من أجل استكمال حربه على الشعب الذي يطالب بالحرية والكرامة ، ويعطي رسائل اطمئنان له بأن استعمال الأسلحة التقليدية في القتل جائز ومن الأمور التي تسمح للنظام بفعل كل ما يريده بالشعب دون عقاب وهذا ما يمكن ملاحظته الآن بعد أن رضخ الممانع باللسان للشروط الغربية وأصبح لعبة في يد أسياده من الغرب والأمريكان .
على الشعب السوري أن يعلم يقينا أن لا أحد يريد الآن للحرب السورية أن تضع أوزارها لا النظام الذي هو مستعد من أجل التضحية بكل ما يملك من أجل البقاء في السلطة ولا الغرب الذي وجد في هذه الحرب فرصة ذهبية لإسرائيل لبناء قوتها ، خاصة وأنها تدرك تداعيات مثل هذه الحروب على الجيوش العربية .