التهمة إرهابي
بعد أكذوبة الحرب على الإرهاب التي لم تستثني أحدا والتي بدأتها الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ مخططاتها في الدول العربية والإسلامية، والتي كانت دائما تستعمل لغزو البلدان وتدميرها عادت دولنا هذه المرة لتعيد نفس تلك الرواية عبر الذهاب بعيدا في إعادة استهلاك هذه الرواية المصطنعة التي أريد لها أن تكون، غاية في تصفية الحسابات وجعلها ذريعة للزج بالشعوب في السجون وتكميم أفواه كل من يحاول قول الحق ولو بالقلم ، في إشارة واضحة إلى أن عهد الحريات والإصلاحات هو مجرد مسرحية تختارها الأنظمة كلما أحسست أنها مرغمة على استعمالها.
لم تكن قضية الزميل أنوزلا الذي تم اعتقاله على خلفية نشره تسجيلا لتنظيم القاعدة سوى مؤشرات واضحة على أن حرية التعبير في بلادنا على شفا الكارثة ،خاصة وأننا نعيش مرحلة ما بعد الحراك الشعبي ، التي جاءت من أجل خلق مناخ تجد فيه الكلمة الحرة حريتها دون أن تتعرض لأي مضايقات من أحد لكن للأسف وقع ما لم يكن في حسبان الشعب الذي خرج وناضل ودفع ثمن ذلك النضال ، ليكتشف أن ما سمي بالإصلاح هو طبخة مخزنية حكومية تم الإعداد لها مسبقا من أجل توهيم الشعب وجعله يعتقد أن ما يراه من شعارات رنانة هو الحقيقة بعينها .
بعد أن فشل المخزن في إشهار قانون الصحافة في وجه كل الصحفيين وأصحاب الأقلام الحرة في المغرب ، وبعد فشله في إقناع هؤلاء باللعب في دائرة المخزن عاد هذا الأخير ليعلن الحرب على هؤلاء عبر إختراع تهمة أخرى هذه المرة ألا وهي الإرهاب ، حيث تستعمل هذه التهمة كلما أراد هؤلاء القضاء على كل الأقلام المزعجة، بعيدا عن كل القوانيين التي تمنع اعتقال الصحفيين ،وبعيدا عن الدستور الجديد الذي يضمن حرية الصحافة ، وبعيدا عن مسرحيات العهد الجديد التي قدموها للشعب على طبق من ذهب.
إذا كان نشر تسجيل القاعدة يثير كل هذه المخاوف لدى السلطات المغربية واستوجب اعتقال كل من ينشر تلك الأخبار التي تدعي أنها تساهم في انتشار الفكر الإرهابي فإن على هذه السلطات أن ترفع دعاوى ضد تلك القنوات العربية التي قامت بنشر ذلك التسجيل وغيره ، وليس الإقتصار على بعض الصحفيين والزج بهم في السجون لآن هذه القنوات ربما يشاهدها المغاربة أكثر مما يشاهدون تلك المواقع التي هي الآن في قفص الاتهام .
تهمة الإرهاب التي أصبحت سلاحا فتاكا في يد السلطات ربما تطرح عدة تساؤلات عن مغرب التغيير والديمقراطية وعهد الإصلاح الذي اختاره المغاربة بشكل مختلف عما وقع في الدول العربية ،حيث فضل هؤلاء نهج أفضل الطرق للحفاظ على البلد من المجهول ، لكن دون أن يكون لذلك الاعتقاد أي أثر على المواطن ولا عن حرياته التي قيل إن عهد الإصلاحات سيضمنها .
لا شك أن مثل هذه التهم التي أصبحت تستخدمها السلطات كلما أرادت التخلص من الأحرار ستكون بمثابة إعلان الحرب على حرية التعبير، وإعطاء صورة قاتمة على المغرب الذي يسعى إلى الانتقال إلى الديمقراطية ، بالإضافة إلى أن مثل هذه الاعتقالات من شأنها أن تجعل صورة المغرب الحقوقية تهتز بشكل سلبي عند الرأي العام الوطني والدولي ما يجعل المغرب يصنف في أوائل الدول التي لا تحترم الحريات.
قانون الإرهاب الذي تعالت الأصوات من أجل إلغائه أصبح اليوم أكثرا حضورا في الساحة المغربية ، حيث أصبح الوسيلة الأنجع في يد الدولة تستعمله متى تريد وضد من تريد، مستغلة في ذللك تهمة الإرهاب التي تعرف جيدا أن المغاربة لا يقبلونها ولا يتعاطفون مع الارهابيين لذلك تستخدمها من أجل النيل من الشرفاء من هذا الوطن، الذين عجزت عن تكميم أفواههم بكل الطرق فلجأت إلى تهمة الإرهاب عساها تستكمل مسلسلها الذي يهدف إلى واد الحرية .
لا شك أن تهمة الإرهاب هذه أصبحت سهلة في يد هؤلاء ضد كل من يوجه سهام النقد اللاذع للمخزن ولتجاوزاته التي لا تحصى في حق الشعب المغربي ،فأنوزلا صاحب القاع والباع في انتقاد القصر وإشهار قلمه في وجه الفساد والمفسدين لم يجدوا له غير تهمة الإرهاب لإيقافه عن فضح تلك الاختلالات التي غالبا ما يتحدث عنها وإرغامه على التزام الصمت أسوة بأصدقائه الذين باعوا مهنة الصحافة بأثمان بخسة .
المسألة إذن لا تتعلق بشخص زج به في السجن لمجرد أنه كان مصرا على فضح الفساد ، ولكن المسألة تتعلق بمكتسبات الشعب المغربي التي ناضل من أجلها وضحى بالغالي والنفيس من أجل الحصول عليها ،وضربة قوية أيضا لعهد ما بعد الحراك الشعبي وعهد الإصلاحات التي جاءت بعرق جبين المغاربة الذين خرجوا وطالبوا بالحرية والكرامة ، أملا في تغيير قد يحقق لهم تلك الآمال التي انتظروها لعقود من الزمن ، فالزميل أنوزلا الذي اعتقل بتهمة الإرهاب لم يكن الصحفي الأول الذي دفع ثمن الحقيقة ولن يكون آخر من يدخل السجن على خلفية آرائه ، بل هو مصير كل الأقلام الحرة التي هي في معركة مع الفساد والمفسدين .