عجبا لدول تحتفل بالنصر
من يفكر مليا في كل تلك الشعارات التي تحملها الأنظمة الديكتاتورية في العالم الإسلامي والتي غالبا ما تكون عبارة عن شعارات النصر التي حققتها جيوشها على العدو ،سيجد أن تلك الشعارات في الحقيقة ما هي إلا مسرحيات تتخذها هذه الديكتاتوريات من أجل تنفيذ مخططاتها الرامية إلى التحكم في الشعوب واستعبادها والبقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى .
في الدول العربية ، وفي دول المغرب الكبير لا تكاد تسمع سوى عن أخبار النصر التي حققتها الأنظمة ضد ما تسميه الأعداء ، فمرة تجدها تستعيد ذكريات أمجادها الوردية التي تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل الاحتفال بها ، ومرة تجدها تطبل لدور جيشها البطل الذي خاض معاركا ملحقا الهزائم بالعدو لتكتمل قصة النصر التي طالما يتحدث عنها هؤلاء متخذين منها سفينة النجاة التي تمكنهم من اعتلاء العروش إلى ما لا نهاية .
الديكتاتورية المصرية بعد فشل كل مخططاتها الرامية إلى تثبيت الانقلاب وإعادة زمن الديكتاتورية الفرعونية ، عادت هذه المرة لتلعب على شعارات الانتصارات المزيفة التي حققها جيشها على العدو الصهيوني ، حيث بدأت تعطي اهتماما أكثر لذكرى ما تسميه بالنصر العظيم الذي حققته ضد إسرائيل في حرب أكتوبر معتبرة أن ما تحقق من انجازات سببها الجيش المصري الذي هو الآن في السلطة والذي يسعى إلى إستعادة زمن الأمجاد التي أفسدتها صناديق الاقتراع والتي عكرت صفوها الديمقراطية التي احتكم إليها المصريون بعد ثورة 25 من يناير.
سلطات الانقلاب المصري التي هي الآن على قدم وساق لإنجاح الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر تسعى بكل ما أوتيت من قوة لإقناع الشعب المصري بأن ما حققه الجيش المصري من نصر مزيف على العدو الصهيوني في حرب أكتوبر هو ما سيتم إعادته مع قادة الانقلاب إن قدر لهؤلاء حكم مصر هكذا يحاولون توهيم الشعب بعد أن ضاقت بهم الدنيا بما رحبت وبدا لهم أنه من الصعب الانقلاب على شرعية جاءت بانتخابات نزيهة شهد العالم على نزاهتها ،وما إصرارها على الاحتفال ببطولات الديكتاتوريات السابقة هو دليل واضح على أنها تئن من شدة الخناق الذي ضاق عليها بعد فشل كل مخططاتها التي تهدف من خلالها إلى تركيع الشعب وإعادته إلى غياهب الديكتاتورية المقيتة .
ليست مصر الدولة العربية الوحيدة التي طالما رفعت شعار النصر الموعود واحتفلت بذكرى بطولاتها المجيدة ، بل هناك دول تتقاسم معها هذا الهم الكبير الذي تسعى من خلاله إلى تمويه الشعب وتصوير زعيمها بطلا لا يمكن أن تستقيم أحوالهم بدونه ،مثل النظام السوري الذي طالما يحمل هو الآخر شعارات النصر الموعودة على الغرب وإسرائيل فتجده يشيطن العدو ويمانع عن تقديم التنازلات ويختار المواجهة على حساب الشعب ، أما عندما أحس هذا النظام بخطر يهدده فإنه لم يتردد في تقديم التنازل عن أغلى ما تملك سورية وهو السلاح الكيماوي الذي كان يرعب العدو الصهيوني ،الذي تنفس الصعداء بعد هذه المفاجأة المدوية التي سارع النظام السوري "المقاوم " إلى الإعلان عنها دون شروط ليكون بذلك قد استكمل مسلسل النصر الذي طالما استعمله النظام لإبقاء الحال على ماهو عليه، والدفع بالشعب إلى التراجع عن ثورته والقبول بالخيار الذي يعيد حكم الديكتاتور الذي يقاوم في الإعلام ويمانع باللسان هكذا يتم تصويره لإعطائه الشرعية وإبقائه حاكما أبديا مستبدا بالشعب .
عندما تحس الديكتاتوريات أن زمن حكمها التسلطي على وشك الانتهاء تسعى إلى تصوير نفسها المنقذ الوحيد للشعب والضامنة لاستقلاله ، وتحاول ما أمكن أن تظهر أمجاد الزعيم وبطولاته التي لا تحصى أملا في إنجاح حكمه الديكتاتوري من جديد.
فالاحتفال بأمجاد الديكتاتوريات والتطبيل لفترة حكمهم هو بلا شك مرحلة تمهيدية لحكم تسلطي سيكون شبيها بفترة تلك الأنظمة ، بل قد يكون أسوأ مما قد شاهدناه مع تلك الزعامات التي أهلكت الحرث والنسل وعاثت في مصالح الشعوب فسادا من يدري .