شيوخ باعوا دينهم وصفقوا للديكتاتور
كنا نسمع عن شيوخ مصر الداعمين للانقلاب ولحكم العسكر ، ولتلك الفتاوى التي يطلقونها من أجل المساهمة في بناء مصر الديكتاتورية ، ولم نكن نؤمن يقينا أن هؤلاء سيتجاوزون هذا الحد وينتقلون من دعمهم لقائد الانقلاب والدعاء له، إلى مسألة إقحام الرسول والقرآن ومحاولة توهيم الشعب بأنهم منبع الإيمان وغيرهم زناديق خوارج يستحقون الموت.
بعد كلام شيخ الأزهر الأسبق علي جمعة الذي تجاوز فيه كل الخطوط ، والذي أكد فيه على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يؤيد الجيش المصري بقيادة السيسي ، وأن الشرعية لهؤلاء وحدهم ، بعد أن سقطت شرعية الرئيس محمد ومرسي ، حيث لم يكتف شيخ السلطة أن يهاجم الإخوان ويصفهم بالخوارج الذين خرجوا عن علي رضي الله عنه ، معلنا أن قائد الانقلاب هو الأمير القادر على الحفاظ على الدين من هؤلاء المصريين الذين استباح دمائهم ، بل وعد كل من يقاتلهم بجنة الفردوس ، يمكن القول أن مصر تسير نحو الهاوية بعد أن أطلق العسكر العنان لمثل هذه الفتاوى التحريضية التي تدعو المصريين إلى الاقتتال وإثارة الطائفية المقيتة التي ستعيد مصر بلا شك إلى عهود ما قبل التاريخ .
لم يفوت قائد الانقلاب فرصة إلا واستعمل شيوخ الأزهر ممن باعوا دينهم بعرض من الدنيا من أجل التحكم في الشعب والتمهيد لحكم العسكر، الذي بات من المؤكد أنه سيكون قدر مصر بعد الانقلاب الدموي الذي أثبت أن هؤلاء متعطشون للدماء ، ومصممون على استكمال مسلسل القضاء على الإسلاميين في خطوة لتنفيذ المشروع الأمريكي الصهيوني في مصر والمنطقة.
كلام شيخ الأزهر الذي أكد فيه على الجزاء العظيم الذي ينتظر كل من يقتل الشعب المصري الذي يخرج الآن رافضا للانقلاب على الشرعية ، لا شك أنه كلام لم يحدث حتى في تاريخ الديكتاتوريات التي حكمت شعوب العالم بالقوة ، بل حتى فرعون الذي استكبر في الأرض والذي كان يستمد شرعيته من الإله لم يكن يتعامل مع خصومه بهذه الطريقة التي يتعامل بها قائد الانقلاب، الذي جعل من الشعب فئران تجارب وأعلن عليهم الحرب بلا هوادة، معلنا أنه لا وجود لهؤلاء في مصر وأن البقاء له ولزبانيته ممن يؤيدون حكم العسكر .
المشكلة ليست في الجيش المصري الذي أقدم على الانقلاب وارتكب جرائم في حق الشعب ، وليست في السيسي الذي أظهر ولاءه للغرب وللصهاينة وإنما المشكل يكمن في هؤلاء الذين يسمون أنفسهم شيوخا والذين تقلدوا مناصب عليا في الحقل الديني، ويصورون أنفسهم دعاة الحق الذين لا يترددون في إصدار الفتاوى التي تبجل الحاكم الديكتاتوري وتصوره المنقذ الوحيد للشعب الذي بدونه لا تستوي أحواله.
ماقام به شيخ الأزهر يمكن اعتباره استكمالا لمسلسل الديكتاتورية التي بدأت مع انطلاق ثورة 25 من يناير حين خرج الشعب وطالب بإسقاط نظام حسني مبارك، وتمت مواجهته بعلماء الأزهر الذين سارعوا للخروج عن صمتهم وإطلاق فتاوى تحرم الخروج عن الحاكم ، فالأزهر لم يعد مؤسسة دينية تسعى إلى خدمة الدين وتوجيه المصريين ومساعدتهم في إيجاد حل لمشاكلهم ، بل على العكس من ذلك فهي أصبحت مؤسسة في خدمة النظام تسبح باسم النظام صباح مساء ، تجدها تعمل جاهدة من أجل إضفاء طابع الشرعية على الحاكم الديكتاتوري بإصدار الفتاوى التي تحلل ما يقوم به الحاكم من قتل في حق الشعب وتحرم الخروج عليه ، بل تذهب إلى أبعد من ذلك لتعلن أن النظام له تفويض من الله والرسول كما فعل شيخ الأزهر السابق علي جمعة الذي أثبت للعالم أنه عالم يستحق كل الاحترام والتقدير لمساهمته في إذكاء الفتنة الطائفية وإشعال جذوة التناحر بين أبناء الشعب الواحد .
لا عجب إذا أن يستخدم النظام الديكتاتوري كل ما يملك من قوة من أجل الحفاظ على الكرسي ، ولا عجب أن نسمع عن فتاوى تحرم الخروج على الحاكم المتسلط مادام أننا نعيش عصر علماء الشرطة الذين باتوا يسخرون حياتهم ليس لله وإنما للحاكم المستبد الذي ينصرونه ويحققون له عمرا مديدا في الاستبداد بالشعب، وما أكثرهم هذه الأيام في مصر بعد أن تدخل العملاء وسخروا العلماء لاستكمال ما تبقى من فصول الانقلاب على الشرعية التي جاءت بعرق جبين المصريين .
النظام الانقلابي المصري الذي انقلب على الشرعية المنتخبة، فشل كل الفشل في القضاء على أنصار الشرعية، الذين يبدو أنهم أجهضوا مخططات هذا النظام الذي لم يجد سوى هؤلاء الشيوخ الذين يستخدمهم للتأثير في الشعب واكتساب المشروعية التي يبدو أنه يفتقر إليها .
على هؤلاء العملاء الذين يسمون أنفسهم علماء والذين ارتموا في أحضان الأنظمة الفاسدة أن يعرفوا جيدا أن الشعوب العربية والإسلامية لم تعد بحاجة إلى مثل هذه الفتاوى الشيطانية التي يسعى من خلالها هؤلاء إلى تثبيت أقدام الأنظمة الديكتاتورية ولم تعد تصدق ما يخرج من أفواههم زورا وبهتانا ، فالأيام أثبتت أن هؤلاء الذين يظهرون انتماءهم للدين ودفاعهم عن الحق هم منافقون من صنع النظام، ألبسهم عباءة الإسلام خدمة لمخططاته الجهنمية ، فلا ضير عند هؤلاء العلماء أن يصل إلى السلطة من يقتل الشعب ومن يعلن ولاءه للغرب والصهاينة فهذا كله مباح ومن الأشياء التي طالما يؤكد عليها هؤلاء ، أما إذا تعلق الأمر بشعب قد خرج من صمته وأعلن الخروج على الحاكم، تجد هؤلاء يتسابقون إلى إصدار مثل هذه الفتاوى التي ما أنزل الله بها من سلطان .