سيوف مسلطة على رقاب الأساتذة

 

 

لا شك أن ما يحدث الآن في قطاع التربية والتعليم ،ينذر بمستقبل سوداوي سيواجه المغاربة بعد ان توالت أحداث الاعتداءات على الأساتذة في المؤسسات التعليمية ، حيث لم نعد نسمع سوى عن مثل هذه الروايات المحزنة التي يتغاضى عنها الطرف أصحاب القرار في هذا البلد، من الذين حملوا أمانة إصلاح هذا القطاع الذي يعتبر عماد التنمية والتقدم في بلد يعيش أزمات لا تنتهي.

 

 ما وقع من إعتداء عنيف على أستاذ داخل الفصل من طرف أحد الآباء يعيد بشكل قوي مسألة الأمن داخل المؤسسات التعليمية ويطرح التساؤل التالي من المسؤول عن تلك الفوضى التي تعيشها مؤسساتنا في ظل حديث عن مغرب يسعى إلى إصلاح المنظومة التعليمية التي تعاني من أزمة قل ما ينظر إليها بشكل جدي ،؟في بلد كل أصابع الاتهام  فيه تشار إلى الأستاذ اعتقادا منهم أنه هو المسؤول الأول والأخير عن فشل المنظومة التربوية ، دون الإفصاح عن الإختلالات الحقيقية التي يعاني منها القطاع والتي أوصلت هذا القطاع إلى أرذل المراتب .

 

ربما هذه الفوضى التي تعيشها المؤسسات التعليمية لا تحرك ضمائر من هم على رأس وزارة التربية والتعليم ،ولا تهز ولو شعرة واحدة من رؤوس هؤلاء الذين صدعوا المغاربة برواية الإصلاح ، فحكومة السيد عبد الإله بنكيران سواء النسخة الأولى أو الثانية منها لا تكترث بتلك الفوضى، ولا بتلك الأحداث المتكررة التي يعيشها القطاع ، بل تكتفي هذه الحكومات بالشعارات الرنانة التي يطلقها رجالها من أبراجهم العاجية، بعيدا عن الواقع المرير الذي يبدو أن هؤلاء لا يريدون حتى معرفته وما بالك بإصلاح منظومة تنذر بكارثة في أقرب الآجال.

 

لم تكن تلك "التفرشيخة" التي طالت أستاذا بسيدي سليمان سوى صورة مصغرة لعشرات الاعتداءات التي تطال رجال ونساء التعليم لا لشيء سوى لأنهم اختاروا أن يكابدوا من أجل مستقبل أبناء هذه الوطن ، وفضلوا التضحية بأعز ما يملكون في الوقت الذي غابت فيه نظرة الساسة حول العناية بهم وإعطائهم قيمتهم التي يستحقونها.

 

كلما دق صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر حول المنظومة التعليمية المغربية إلا وتجد اللوم يعود دائما على الأستاذ ، فما أفسده أصحاب الكراسي يصبح الأستاذ مسؤولا عنه ، وما أفسدته الأيادي الغير الأمينة ممن عاثوا في هذه المنظومة فسادا، يأخذ الأستاذ قسطا أكبر منه ،فلا مجال لهؤلاء لإلقاء اللوم على أطراف أخرى ،بالرغم من أن الكل يعرف أن لها اليد الكبرى في كل الانحطاط الذي وصلت إليه منظومتنا التعليمية ، بل الفشل بكل أنواعه سببه الأستاذ الذي أصبح حديث الساعة في ظل تنامي ظاهرة الانتقاص من صورة الأستاذ عند المغاربة جميعا بسبب إعلام العهر الذي لا يجد ما يملأ به قنواته سوى برامج الضحك على الذقون التي تحاول تصوير الأستاذ بأقبح الصفات وعيا منها لكسر جدار التقدير  الذي تعارف عليه المغاربة منذ زمن بعيد .

 

نعتقد جازمين أن ما تم الحديث عنه من إصلاحات في قطاع والتربية والتكوين هو مجرد بروباغندا اختارتها تلك الحكومات من أجل توهيم الشعب بأن عهد التغيير قد حان ، فماذا يعني أن يتم الحديث دائما عن المخططات وعن البرامج التعليمية دون الحديث عن طرف أساسي في العملية التعليمية التعلمية ، الذي يتم استبعاده دائما عن إطار النقاش الدائر عن إصلاح هذه المنظومة الذي هو الأستاذ؟

 

لا شك أن الأستاذ الذي يصنع من نفسه إنسانا أليا عبر تحديه كل الصعاب بلا أدنى ظروف الحياة ، وبراتب هزيل لا يسمن ولا يغني من جوع ، هو من يتلقى لوحده كل تلك الصفعات التي يطلقها عشاق التعويضات الخيالية ، الذين لا يهمهم إصلاح المنظومة التعليمية بقدر ما تهمهم مصالحهم الشخصية التي يجعلونها فوق كل اعتبار.

 

لم يكف هؤلاء أنهم ساهموا بشكل كبير في تقزيم صورة الأستاذ ، ولم يكفيهم استبعاده من كل المبادرات الرامية إلى إصلاح المنظومة التعليمية ، بل تعدت ذلك إلى تجاهل تلك الاعتداءات التي تطاله يوميا ، فلم نسمع يوما عن رد فعل من الحكومة حول ما يتعرض له رجال ونساء التعليم من عنف داخل المؤسسات التعليمية أو خارجها ، ولم نسمع حتى بتنديد جدي يمكن أن يشفي غليل أولئك الأساتذة ،الذين ضاقت بهم الدنيا بما رحبت بسبب الإهمال الذي يطالهم من طرف الذين حملوا شعارات أثبتت الأيام أنها بدون جدوى وأنها غير قادرة على تقديم المزيد من الأحزان للمغاربة الذين راهنوا عليها معتقدين أنها المخرج من الأزمة التي تواجه المنظومة التعليمية .

 

حكومة تليها حكومة، وبرامج تلغيها أخرى وساسة يشرعون من السطح بعيدا عن واقع التعليم وعن هموم رجاله ونساءه ، وأبناء الشعب هم من يدفعون الثمن ، فلا تغيير سيتحقق إذا ما اتبعت الحكومة الجديدة "النسخة الثانية " نفس النهج الذي اتبعته الحكومات السابقة ، والذي لا ينم عن حسن نية لإصلاح التعليم ، فالتغيير يحتاج إلى نظرة شمولية يشترك فيها الجميع من أجل الخروج بورقة رابحة توصل قطاع التعليم إلى بر الأمان ، أما إعادة نفس السيناريوهات فلا نعتقد أنها ستغير شيئا على أرض الواقع، فالتغيير الذي عودتنا عليه حكوماتنا الغراء هو فقط في الوجوه والمخططات والبرامج التي أظهرت فشلها بدون منازع .