سماسرة الإعلام المغاربي

 مع بروز قضية الصحراء المغربية على السطح ، ومع التشنجات التي تحدث من حين لآخر بين المغرب والجزائر ، تجد في الساحة إعلاما يحاول استغلال مثل هذه التوترات للركوب على الشعوب ،وخلق نوع من الفتنة بين الأصدقاء ، حيث يسعى لإشعال جذوة الصراع والانتقال بها من دهاليز الأنظمة إلى الشعب، عبر تضخيمها وإعطائها أكبر قدر من الاهتمام، خدمة لأهداف من هم على رأس هذا الإعلام الذي يحاول استغلال بعض الأحداث المتفرقة ،ومن ثم صنع من الحبة قبابا كثيرة .

ما شاهدناه وما شاهده العالم بأسره من حملات إعلامية مغرضة بعد تصريحات الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ،حول قضية الصحراء وما أتبعها من أحداث متفرقة كانت أبرزها دعوة المغرب سفيرها في الجزائر، يبين وبشكل كبير مهنية الإعلام المغاربي ويظهر مادة إعلامية منقطعة النظير أساسها الفتنة والتحريض من طرف الجانبين ،ففي الوقت الذي كان من الممكن لهذا الإعلام أن يساهم ولو بقسط قليل في إخماد نار الفتنة بين البلدين ، تجد هذا الإعلام على العكس من ذلك يقدم ما يمكن أن يغذي هذه النار ليس فقط بين الحكام ، بل حتى بين الشعبين الشقيقين اللذين تجمعهما روابط الود والمحبة والأخوة والعقيدة .

لا أحد ينكر أن حكام الجزائر من العسكر الذين يتحكمون في البلاد والعباد هم ينهجون نفس النهج المعادي للمغرب ولوحدته الترابية، حيث يسعى هؤلاء لاستغلال هذه القضية من أجل إشغال الشعب الجزائري عن المطالبة بحقوقه المشروعة ، وإقرار الديمقراطية في زمن انتفضت فيه كل شعوب الأرض من أجل الحصول عليها ، لكن مع ذلك يجب ألا تقابل تلك الحملات بالمثل من طرف المغرب الذي طالما أمد يده للنظام الجزائري الذي هو الآن يسخر كل ما يملك لشيطنة المغرب ، عبر إعلام لا يعرف إلا لغة التحريض في خطوة منه لإعادة الصراع إلى الواجهة ، وإفشال كل المخططات الرامية إلى تمتين العلاقات بين الشعبين الشقيقين.

لا شك أننا نحمل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كل الوزر إثر تصريحاته التي أدلى بها في رسالة بعث بها إلى قمة أبوجا ، والتي أكد فيها أن الجزائر ما تزال على قناعة بضرورة توسيع صلاحيات بعثة المنورسو بالصحراء ، ونحمل إعلامه كل المسؤولية حول حملاته التي زادت من تعقيد الأزمة و أعادت العلاقات المغربية إلى سابق عهدها .

  الإعلام الجزائري المدعوم من العسكر والحامل للواء الدفاع عنه، لم يجد هذه الأيام ما يبرر به تلك الفضيحة المدوية المتعلقة بالحملة الرامية إلى ترشيح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة وهو طريح الفراش سوى توجيه سهام النقد اللاذع للمغرب للتغطية على هذا الحدث الذي بلا شك سيعيد طرح أكثر من تساؤل حول عهد التغيير والإصلاح الذي انتظره الشعب الجزائري لعقود .

بالرغم من أننا نلقي اللوم على حكام الجزائر من العسكر وندين تلك الحملات المغرضة التي يشنها الآن الإعلام الجزائري والتي تجاوزت حدود المعقول ، إلا أننا مع ذلك لا نخفي تنديدنا ببعض المنابر الإعلامية المغربية التي تسعى هي الأخرى لنهج نفس النهج الذي تتبعه الآلة الإعلامية الجزائرية، فالتحريض ليس الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها النقاش حول الملفات العالقة بين البلدين ، بل هو وسيلة لتأجيج الصراع وتعميق التوترات بين البلدين ولعلاقاتهما الودية التي لا يمكن تجاهلها .

في خضم هذه التوترات التي لا تخدم مصلحة الشعبين ، والتي تزامنت مع وضع إقليمي يضع أمام البلدين  تحديات كبيرة ، خاصة مع الصراعات التي تلت الربيع المغاربي والتي بلا شك لها تأثير على الدول المجاورة ، يمكن القول أن الشعوب المغاربية لم تعد تحتمل تلك الخطابات المغرضة التي يشنها الإعلام  والساسة الذين باعوا أوطانهم بأثمان بخسة ، بقدر ما تحتاج إلى خطاب جديد يعيد رأب الصدع المغاربي الذي يعيش التشرذم عبر إنتاج مادة إعلامية هادفة تقرب وجهات النظر بين البلدان المغاربية وعدم الدفع بها نحو المجهول.

 نعتقد وبلا أدنى شك أن تقريب وجهات النظر بين الشعبين الجزائري والمغربي لا تحتاج إلى مثل هذه الحملات المغرضة ،التي يحاول الإعلام من كلا الطرفين ترسيخها في أذهان الشعوب خدمة لأهداف سياسية ، فتصوير طرف بأنه عدو أبدي لطرف آخر لا يمكن التصالح معه  أو بناء أواصر الثقة معه، أو التأكيد على أن بناء الحلم المغاربي يستحيل معه هو ما يجعل علاقات البلدين تزيد تأزما في ظل وضع دولي وإقليمي لا يعترف إلا بالتكتلات .

نحن الآن بأمس الحاجة إلى إعلام يضع نصب أعينه مبادئ الإعلام الهادف الذي يساير العصر ويتماشى مع عهد الديمقراطية والحداثة، والذي يساهم بدوره في مقاومة الفساد وبناء الأوطان بعيدا عن دعاوى التحريض والهدم التي تتبناها أغلب المنابر الإعلامية مع الأسف والتي لا تمت بصلة إلى الإعلام المهني الذي يعالج الأزمات بحكمة ويطرح الرؤى والتصورات لميثاق شرف إعلامي يستحضر أخلاقيات المهنة في إدارة كل أزمة تحدث بين البلدين .