روسيا الوجهة المفضلة للعسكر في مصر
سلطات الانقلاب المصري لم تدع وسيلة إلا واستخدمتها لإنجاح مسلسل الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الشرعي لمصر ، والذي أعاد مصر إلى مرحلة الصفر ، فلم يكفها دعم دول الخليج التي أمدتها بالمال والسلاح ، ولم يكفها دعم من لديهم مصلحة في إجهاض الثورات ، بل أصبحت تلوح باللجوء إلى روسيا في خطوة منها لتوجيه رسائل تهديدية إلى أمريكا التي لم تعلن عن موقفها الصريح حيال ما وقع في الثالث من يوليو ، خاصة بعد أن تم تعليق جزء من المساعدات العسكرية لمصر.
ما كشف عنه وزير الخارجية المصري في حكومة العسكر من خلال تصريحاته التي أكد فيها على أن مصر ستوسع من علاقاتها مع الجانب الروسي احتجاجا منها على الولايات المتحدة الأمريكية، يبين وبجلاء أن السلطات المصرية أو أن العسكر لم يعد قادرا على استكمال مسلسل الانقلاب دون البحث عن الشركاء من العالم الغربي، الذين يدعمون أطروحة العسكر التي يبدو أنها بدأت تتهاوى، بسبب ثورات الربيع الديمقراطي التي أنتجت شعوبا لم تعد تقبل بالعسكر في السلطة أو بالأحرى لا تريد هذه الشعوب العودة ببلدانها إلى زمن الديكتاتورية.
توسل سلطات الانقلاب المصري بهذه الطريقة المهينة إلى روسيا يعيد طرح التساؤل حول ماهية التنازلات التي قدمتها مصر إلى روسيا، خاصة إذا كانت الأخيرة مستعدة لتقديم المساعدات لمصر بعد أن تخاذلت الولايات المتحدة الأمريكية في الوفاء بعهدها في دعم العسكر ؟
نعرف جيدا أن علاقات الدول أساسها المصالح، ولا يمكن لدولة أن تقدم الدعم لدولة معينة إلا إذا حصلت في المقابل على ما يمكنها من تثبيت أقدامها فيها ،فإذا كانت سلطات الانقلاب تتجه لتقوية العلاقات الروسية من أجل الاعتراف بها ، فإن هناك معلومات تشير إلى اتفاق بين الطرفين لبناء قاعدة عسكرية روسية في مصر وهذا غير مستبعد مع تزايد البحث المستميت لسلطات الانقلاب عن الدولة التي تدفع بالانقلاب العسكري إلى بر الأمان، وتعيد التوازن أمام الولايات المتحدة الأمريكية التي يبدو أنها لم تعد تتحمل سلطات الانقلابيين، الذين دمروا مصر وأعادوا بها إلى زمن الديكتاتورية ، حيث لم تجد أمريكا ما تبرر به ذلك الصمت القاتل على جرائم الانقلابيين، سوى باتخاذ خطوة تعليق المساعدات الشيء الذي استفز سلطات الانقلاب ودفعهم إلى اختيار روسيا كمنقذ وحيد لحكم للعسكر، والشرطي الذي يمكن أن يحمي الانقلاب بعد أن تأكدت أن الشعب المصري ما يزال مصرا على إعادة مصر إلى المسار الديمقراطي وإنجاح ثورة 25 من يناير التي وأدها العسكر.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية دأبت على استخدام مصر على الدوام كبيدق تحركه كيف شاءت في عهد الأنظمة الديكتاتورية التي توالت على حكم مصر قبل ثورة 25 يناير ، عادت روسيا هذه المرة لتعوض ذلك الفراغ الذي أحدثته التوترات بين سلطات الانقلاب والولايات المتحدة الأمريكية، وحلت محل أمريكا لقيادة مصر من جديد ، فتاريخ مصر الذي صنعته الديكتاتوريات وحكم العسكر هو مليء بهذه الوقائع التي يندى لها الجبين.
سلطات الانقلاب بالرغم من محاولاتها المستمرة لكسب المزيد من الدعم للانقلاب العسكري ، وبالرغم من الأموال التي ضختها دول الخليج الحليفة الأبدية لأمريكا في الشرق الأوسط ، وبالرغم من محاولاتها لتحسين صورة الحكومة الانقلابية عند الولايات المتحدة عبر التعاقد مع جماعة الضغط اليهودية "جلوفر بارك " إلا أن ذلك لم يمكنها من الوصول إلى ما كانت تصبو إليه ، ألا وهو تثبيت الموقف الداعم للانقلاب من طرف أمريكا وكسب رضاها لذلك تم اختيار روسيا كحل أمثل لاستفزاز أمريكا الحليف الذي لم تعصي له مصر أمرا منذ عقود .
ما تم الإعلان عنه من اتفاق بين سلطات الانقلاب وروسيا لتسليح الجيش المصري وبصفقة أولية تقدر بأربعة مليارات دولار مقابل منح الجيش الروسي قاعدة عسكرية بحرية في السويس، هو ما يؤكد وبشكل كبير أن سلطات الانقلاب ضاقت بها الدنيا بما رحبت بعد إصرار الشعب المصري على استكمال ثورته ضد الانقلاب وبعد تلك المهزلة التي أراد من خلالها العسكر محاكمة الرئيس محمد مرسي والتي أظهرت فشل الانقلابيين بعد أن وجهوا له تهما بارتكاب جرائم هم من تورطوا في اقترافها .
مخطئ من يظن أن سلطات الانقلاب بعد كل هذا الوقت، قادرة على إعادة مصر إلى لعب دورها الريادي في المنطقة ومخطئ أيضا من يعتقد أن العسكر بإمكانه أن يسير بمصر نحو تحقيق التقدم والإزدهار بتوطيد علاقاته مع الغرب ، فالظاهر للعيان أن ما تعرفه الساحة المصرية من أزمة خانقة أعادت مصر إلى أرذل العمر، لا يمكن الاستهانة به ،فالشعب الذي تم استبعاده عبر القوة لا زال يناضل من أجل استرجاع حقوقه وإسقاط حكم العسكر ، لذلك فكل محاولات العسكر من أجل الاستنجاد بالغرب ستبوء بالفشل، لأنها تتجاهل الطرف الحقيقي في المعادلة ألا وهو الشعب ، فهذا الأخير الذي استطاع إسقاط حسني مبارك عبر ثورة شعبية قادر الآن على إسقاط حكم العسكر، لأن زمن الركوع كما يعتقد هؤلاء قد ولى إلى غير رجعة ، لذلك على سلطات الانقلاب في مصر أن تعي جيدا أن القادم لن يكون بالأمر الهين عليها ، رفعت الأقلام وجفت الصحف.