مصر تنتخب رئيسها في الأحلام

سلطات الانقلاب في مصر ضاقت بها الدنيا بما رحبت، بعد فشلها في كل مخططاتها الرامية إلى إقناع العالم بأن ما وقع في الثالث من يوليو هو ثورة وليس انقلابا، فعادت إلى سلك طريق الرؤى والأحلام عساها تحسم أمر الانقلاب وتضرب عرض الحائط بثورة 25 من يناير ومن ثم إعادة مصر إلى غياهب الديكتاتورية من جديد .

لم يكن ذلك التسجيل المسرب لعبد الفتاح السيسي والذي يتنبأ فيه بالوصول إلى الرئاسة ،سوى وهم الانتظار بتحقيق أهدافه وهي الوصول إلى كرسي الرئاسة، الذي مهد له عبر انقلاب دموي سيبقى بمثابة وصمة عار في جبين مصر على مر التاريخ الإنساني ، بعد أن سقطت كل الأوراق التي كان يعول عليها الرجل كثيرا لإنجاح الانقلاب .

يبدو أن الرجل مصمم على استكمال مسلسل الانقلاب والوصول إلى الرئاسة مهما كلفه ذلك، وأنه عاقد العزم على حكم مصر حتى بالأوهام والخرافات التي تجاوزتها البشرية منذ ألاف السنين ، لذلك تجده يجعل من نفسه حكيما يتلقى الإلهام من الله ، ويستمد شرعيته منه معتقدا أنه سيستطيع خيانة الشعب المصري من جديد، بعد أن تم توهيمه بأن تدخل العسكر في الحياة السياسية في مصر هو من أجل الحفاظ على الثورة والقضاء على من أسماهم بالإرهابيين، الذين يبدو أنهم لم يصلوا إلى السلطة عبر الانقلاب العسكري ولا  عبر الأوهام والخرافات وإنما بانتخابات نزيهة شهد العالم على نزاهتها.

الشعب المصري ليس غبيا إلى درجة يمكنه تصديق تلك المسرحيات المفضوحة التي دأب قائد الانقلاب على تقديمها ، وليس مستعدا على ما يبدو للدخول في هذه المؤامرة التي يتم الإعداد لها والتي يريد من خلالها الانقلابيون التربع على عرش مصر وحكمها إلى الأبد ، لأن الشعب المصري منذ البداية قد فهم الرسالة ، فالأحلام وحتى الرؤى لا تستطيع أن تنسي الشعب المصري جبروت الرجل وديكتاتوريته التي لا يخفيها، والتي ارتكب من خلالها مجازر ستبقى شاهدة على بشاعة هؤلاء الذين يمهدون لفترة استبدادية أكبر من التي عاشها الشعب المصري مع حسني مبارك .

لا نعتقد أن الشعب المصري سيشفع لهؤلاء الذين قتلوا الآلاف من المصريين وزجوا بالمعارضين في السجون، وأعادوا مصر إلى غياهب الحرب الطائفية وسيفتحون لهم المجال لتدبير شؤونهم ، فالشعب لم يعد يثق في هؤلاء الذين كرسوا حياتهم كلها من أجل الاستبداد بالشعب ، ولم تعد لديه أيه نية للركوب مع هؤلاء العملاء مرة أخرى سفينة الغدر والخيانة التي يبدو أن غرقها أقرب من حبل الوريد .

 

  قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، هو الآن في بحث مستميت لإقناع الشعب المصري بأنه القادر على حكم مصر، وإعادة بناء مصر الديمقراطية زورا وبهتانا، لذلك تجده مهووسا بالتسجيلات الصوتية التي يصور فيها نفسه المخلص الوحيد لمصر ولشعبها من كل الأزمات ، فالوضع المصري الآن كارثي ، والحكومة التي تم تعيينها بعد الانقلاب العسكري  تسببت في خسارة الاقتصاد الوطني وإيصاله إلى وضع لا يحسد عليه ، حيث هناك حديث الآن عن تفاقم الأوضاع بسبب السياسات اللامسؤولة لسلطات الانقلاب وتزايد نسبة الفقر وتفاقم الأزمة المالية  ، فكل الوعود التي قطعها الانقلابيون على أنفسهم  ضمن خارطة الطريق للنهوض بالاقتصاد كلها باءت بالفشل ، فالدين المحلي والخارجي تفاقم ، ومعدلات السياحة وصلت إلى الصفر، ونسبة الاستثمار الأجنبي تراجعت، ما يعني أن مصر تسير نحو الهاوية، وما ادعاءات سلطات الانقلاب بأنها ستعيد لمصر عافيتها فتلك آماني من سرق الثورة من الشعب وهو الآن يمهد لشرعنة الانقلاب .

واهم من يعتقد أن السيسي سيكون رئيسا للمصريين، سواء أكان ذلك بالانقلاب العسكري الذي أطاح برئيس شرعي  أو بالأحلام والرؤى التي يبدو أن الرجل عاد ليستعملها كأداة لدعم مخططه الرامي إلى ترشيح نفسه للرئاسة ، لأن الشعب المصري لم يعد يطيق هؤلاء الذين ارتكبوا في حقه المجازر ، ولم يعد يقبل بهم حكاما عليه بعد أن سالت دماء الأبرياء ظلما وعدوانا .

معركة الشعب المصري الآن هي من أجل إسقاط العسكر من الحياة السياسية ومحاكمة قادته الذين أعادوا بمصر إلى غياهب الفتنة الطائفية، وإن كان ذلك سيكلفه المزيد من التضحيات ، خاصة في ظل ديكتاتور لا يتوانى في استعمال القوة من أجل الوصول إلى السلطة ، في اعتقاد منه أنه الرئيس المستقبلي لمصر بدون منازع ، وتجاهل الرجل أن الشعب المصري لن يستطيع أن يقنعه أحد بتلك الأسطوانات المشروخة التي دأب على استعمالها سواء أكان تسجيلا صوتيا  أو حلما من الشيطان  كما هو ظاهر من خلال ذلك التسجيل المسرب الذي أعادنا إلى زمن الديتاتورية وإلى صكوك الغفران التي يحاول إحياءها قادة الانقلاب من جديد.