تطور خطير في لبنان بقلم د. سالم الكتبي
يمر لبنان بتطورات متسارعة في الأشهر الأخيرة، معظمها لا يبدو خارج سياق "الحالة اللبنانية"في مساراتها التاريخية، ولكن مناشدة الجيش اللبناني، مؤخراً، للقوى العالمية لمساعدته على النجاة من الانهيار الاقتصادي، الذي خلّف جنوده "يعانون وجوعى"، تمثل هذه المناشدة منعطفاً نوعياً بالغ الخطورة لأنه يمس أحد أكثر أركان سيادة أي دولة في العالم، وهو جيشها الوطني، الذي يعد أحد المؤسسات القلائل التي تعد واجهة للبنان الموحد!
انهيار قيمة الليرة اللبنانية منذ عام 2019، وتراجع ميزانية الجيش ورواتب الجنود هي السبب الأساسي الظاهري في وضع الجيش اللبناني في صورة من يطلب الغذاء الوقود والأدوية من الدول الكبرى، ولكنه ليس السبب الوحيد فهناك من يريد لهذه القوة الوطنية أن تتداعى كي تخلو لها الساحة وتنفرد بامتلاك القوة في مواجهة خصومها السياسيين؛ لذا فإن الجيش اللبناني الذي وصفته وزارة الدفاع الفرنسية بأنه "عمود لبنان"، يحتاج إلى تحرك اقليمي ودولي عاجل لانتشاله من مصير غامض يبدو أنه يُدفع إليه دفعاً، فالتبعات الناجمة عن "جوع ومعاناة"الجيش اللبناني لا تليق بالدولة اللبنانية رغم كل ما ماتشهده من عبث سياسي منذ الانفجار المدمر في مرفأ بيروت في أغسطس الماضي!
ليس سراً القول أن الجيش اللبناني لا يمثل القوة العسكرية الأكثر عتاداً وتسليحاً على الساحة اللبنانية في ظل وجود ميلشيا "حزب الله"التي تمثل جيشاً طائفياً موازياً يؤثر وجوده سلباً في دور وهيبة الجيش اللبناني، وبالرغم من ذلك فإن هذا الجيش قد تحول إلى مؤسسة تستجدي "احتياجاً خاصاً للغاية مثل الحليب والدقيق والامدادات الطبية والوقود"بحسب مانقلت وكالة "فرانس برس"عن مصدر مقرب من وزير الدفاع الفرنسي!
لبنان يعاني وضعية اقتصادية خطيرة للغاية، فنسبة التضخم قد ارتفعت إلى نحو 84% العام الماضي، بحسب تقارير البنك الدولي، الذي أكد أيضاً أن الناتج المحلي الاجمالي لهذا البلد العربي قد تقلص بنسبة 3ر20% في عام 2020 (انخفض إجمالي الناتج المحلي للبنان من حوالي 55 مليار دولار أمريكي عام 2018 إلى ما يُقدّر بنحو 33 مليار دولار في عام 2020)، ومن المتوقع أن يتقلص بنحو 5ر9% إضافية لهذا العام، ما دفع البنك إلى التحذير مؤخراً من أن تأثير الأزمة الاقتصادية المتفاقمة قد يصبح كارثياً قريباً، والأخطر من ذلك أنه لا تلوح في الأفق نهاية وشيكة للأزمة الاقتصادية في لبنان!
الكل يعلم أن كارثة لبنان الحقيقية تكمن في نخبته وقياداته السياسية التي اتهمها تقرير البنك الدولي بالتقاعس "الكارثي والمتعمد"، حيث يكتفي الجميع بتبادل الاتهامات والقائها على الآخرين والاستقواء بالخارج من دون أن يتحرك قيد أنملة باتجاه انقاذ لبنان قبل فوات الآوان. والأوضاع الاجتماعية في لبنان ليست بأفضل حال من الأوضاع السياسية، ولحقت بهما معاً الأوضاع الاقتصادية لتصبح أوضاع هذا البلد في مجملها مدعاة للحزن لأن لبنان ليس بلداً عادياً، بل مدعاة للحزن والألم لأن لبنان ليس بلداً عادياً، بل مركز ثقافي وحضاري انساني اقليمي مهم للغاية، وتركه لمصير مجهول يعني وقوعه بيد القوى الطائفية التي تخطط لهذا الانهيار منذ سنوات طويلة مضت.
الحقيقة أن لبنان بات ضحية لغياب أو بالأصح انهيار النظام الاقليمي العربي جراء الفوضى والاضطرابات التي عمّت المنطقة منذ عام 2011، وهو كذلك ضحية الولاء العابر للوطنية الذي يهيمن على فئة تمتلك القوة وأرادت لنفسها أن تكون ذراعاً لمن يضمر الشر بلبنان وغيره من البلدان العربية، وهو ضحية للصراعات والانقسامات الحزبية والطائفية السخيفة، والتي يصعب الحديث عن نهاية وشيكة لها في ظل المعطيات الراهنة. ومحصلة ذلك كله وأحد توابعه أن يتحول الجيش اللبناني من مصدر القوة والتماسك والوحدة الوطنية في بلد يعاني الهشاشة في مجمل هياكله إلى مصدر للضعف والتراجع، فبدلاً من أن يسعى الجيش إلى تعزيز تسلحه وكفاءته القتالية وخططه العملياتية لحماية لبنان في ظل هذه الظروف الاقليمية المضطربة وتحسباً لتطور الأوضاع في البلاد أمنياً أو غير ذلك، نجده يبحث عن قوت أفراده ورواتبهم! لذا يبقى السؤال الأكثر الحاحاً. : من ينقذ جيش لبنان من مصير مجهول؟!