مصر جرح العرب الغائر

عندما يتحول الحق إلى باطل ، وعندما يتحكم الأنذال في السياسة والحكم رغما عن أنف الشعوب ، وعندما يصبح من يملك الشرعية وراء القضبان لا بد لنا وأن نتوقف ونعيد قراءة المشهد السياسي المصري من جديد بعد أن اختلط الحابل بالنابل وأصبحت مصر على شفا جرف هار ، بعد أن تكالب عليها الأصدقاء والأعداء .

محاكمة الرئيس الشرعي لمصر اليوم مشهد غريب يعيد زمن الديكتاتورية بشكل كبير ، ويؤكد على أن مصر تسير نحو الهاوية ، في ظل حكم العسكر الذي انتهك سيادة القانون ، وأعاد الاحتكام إلى قانون الغاب الذي لا يعترف إلا بالقوة ، فبما أن العسكر يملك القوة ومستعد لاستخدامها للتحكم في الشعب فإنه مستعد أيضا أن يحاكم من يشاء بتهم يختارها من تلقاء نفسه ،ومن ثم الدفع بمن يشاء إلى معانقة غياهب السجون .

العسكر في مصر بعد الانقلاب على الشرعية وبعد إجهاض الديمقراطية التي أعادت مصر إلى زمن الديكتاتورية البغيضة ،هو الآن يحاكم كل المصريين عندما قرر محاكمة الرئيس محمد مرسي الرئيس الشرعي الذي جاء بانتخابات نزيهة شهد العالم على نزاهتها ،فتقديم رئيس شرعي إلى المحكمة وإلصاق التهم به دون وجه حق ثم في المقابل إطلاق سراح الرئيس مبارك الذي أجرم في حق الشعب على مدى ثلاثة عقود هو أكبر مهزلة عرفتها مصر عبر التاريخ .

محاكمة مرسي هي محاكمة لثورة 25 من يناير ، ومحاكمة لإرادة الشعب الذي اختار من يقوده بعد رياح الربيع الديمقراطي، التي عصفت بمصر واستطاع من خلالها الشعب المصري أن يسقط الفرعون الأكبر ،وأطلق لنفسه العنان للحديث عن الديمقراطية والحداثة ومحاسبة المفسدين الذين عاثوا في بلاد مصر فسادا ، فوجود الرئيس الذي انتخبه المصريون وراء القضبان ومحاكمته أمام محكمة أعدها العسكر في جنح الظلام هو محاكمة لملايين ممن اختاروا المسار الديمقراطي وعقاب جماعي لهؤلاء الذين اختاروا صناديق الاقتراع وعبروا عن إرادتهم باختيار الشرعي .

سلطات الانقلاب لم يكفها أنها انقلبت على الشرعية، ولم يكفها أنها أعادت بمصر إلى غياهب الديكتاتورية من جديد، بل أرادت أن تدخل مصر في حرب أهلية من الممكن جدا أن تدفع بالبلد إلى المجهول ، لذلك اختاروا محاكمة الرئيس الشرعي ووجهوا له تهم التخابر و القتل محاولة منهم لإقناع المصريين والعالم بأكمله بشرعية الانقلاب .

الانقلابيون ممن حملوا على عاتقهم هدم مصر،  يعتقدون أن بمحاكمتهم هذه سيستطيعون القضاء على الوعي المصري الذي يطمح إلى إقرار الديمقراطية، وإخراج البلد من براثن الديكتاتورية ، فالمحاكمة التي هي سياسية أكثر من كونها جنائية لن تستطيع القضاء على الإخوان ولا عن إرادة الشعب ، والمقاربة الأمنية التي يستخدمها السيسي وأعوانه في الانقلاب لن تضع حلا للأزمات التي تعصف بالبلد ،والدليل أمامنا من قلب مصر التي تعرف حراكا منذ عزل الرئيس الشرعي بالرغم من أن العسكر يستعمل القوة من أجل الدفع بالمعارضين إلى التراجع عن المطالبة بعودة الشرعية.

الرئيس مرسي سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه ، ومحاكمته ستعطيه رمزية ربما لم يكن ليكتسبها لولا هذه المؤامرة التي أعد لها العسكر سلفا ، واهم من يعتقد أن هذه المحاكمة في هذه الظرفية ستؤثر سلبا على نفسية أنصار الرئيس ، وتدب اليأس في قلوبهم ، بل نسي هؤلاء أن محاكمة الرئيس الشرعي للبلاد سيزيد من رفع معنويات هؤلاء، وربما سيحرك حركية الشارع ويساهم في شرارة قد تضع النهاية لحكم العسكر.