الذنب ذنب الشعوب وليس الحكام
عادة عندما نوجه سهام النقد للحكام ونتهمهم بالتسلط وبالديكتاتورية ،ونلقي المسؤولية كاملة على عاتقهم ، لم نفكر يوما أننا نحن من نتحمل تلك المسؤولية وليست تلك الأنظمة التي مهدنا لها الطريق للوصول إلى السلطة، ودافعنا عنها بكل ما نملك من قوة فكيف بها ألا تستبد ونحن من أنشأنا لها موطن الاستبداد ؟
عندما يستبد الحاكم أو عندما يعلن أنه مركز القوة في البلد ، وأن كلمته هي العليا،فهذا لا يعني أن ذلك جاء اعتباطيا أو من قبيل الصدف التي يجود بها الزمان في بعض الأحيان ، ولا عبر القدر، وإنما كل ذلك يأتي من الشعوب التي رضيت لنفسها الخضوع والخنوع وساهمت في تكريس شخصية الحاكم المستبد ، لم يكن هذا الأخير ليستبد لولا أنه وجد من يعينه على ذلك ، ولم يكن ليمارس الظلم على شعبه لولا أن وجد من يقبل بهذا الظلم ويسلم لأمره ، بل ربما يسعى هؤلاء للتطبيل له والدعاء له بالتوفيق وهذا هو مكمن الخلل.
على الدوام نصفق لحكامنا ، وعلى الدوام نرفع صورهم نتحدى بها رذيلة الخوف من الديمقراطية ، ودوما نعلي من شأنهم ونقدرهم أكثر من غيرنا ، بل نعطي هؤلاء الإشارة الخضراء لكي يفعلوا بنا ما يشاؤون دون رقيب أو حسيب ، وإذا ضاقت بنا بلداننا بما رحبت وإذا وصل السيل الزبى ، أعلنا للملأ أننا ضحية حكام استبدوا بنا ولعقود وألصقنا تهم الفساد والظلم بشخصياتهم دون أن نقنع أنفسنا بأننا نحن من نستحق ذلك اللوم والعتاب.
من المفارقات العجيبة التي نجدها بشكل صارخ في أوطاننا، أن الشعوب أثناء مجيء الحاكم تهلل وتصفق له وتشكو لربها من ظلم من سبقه ، وتؤكد له ولائها اللامنتهي ، وربما تصل إلى مرحلة تقديسه كأنه الإله أو هو الإله نفسه في بعض الأحيان ، لكن في النهاية تتطلع إلى الديمقراطية وإلى بناء الأوطان تحت لواء الحرية والكرامة ، فأي ديمقراطية تريدها الشعوب في أوطاننا وهي من أجهضت الديمقراطية بنفسها عبر إعطاء الحاكم سلطة الحكم إلى ما لانهاية ، وأي كرامة تسعى إليها وهي من وأدتها عبر التملق للحكام ورضيت الذل والهوان وهتفت باسم الاستبداد على الدوام .
فالشعوب في أوطاننا تراها تئن من الألم وتشكوا من معاناتها ، لكنها في المقابل تجدها تسارع لدعم الاستبداد وتتسابق إلى صناديق الذل لتقول نعم لما يمليه عليها الحاكم ،وتساهم بشكل كبير في صنع الطغاة ومن ثم إبقاء الحال على ما هو عليه لتستمر فصول التسلط التي صنعتها الشعوب بأيديها لا بأيدي حكامها الذين ساروا على درب استكمال مشروعهم المتمثل في السيطرة والذي أمدتهم به الشعوب .
فالاستبداد الذي نساهم فيه نحن الشعوب أو العبودية المختارة كما يفضل بعض المفكرين تسميتها هي سبب كل المشاكل التي نعاني منها في عالمنا الإسلامي وسبب كل ذلك الاستبداد الذي ترزح تحته أغلب شعوب المنطقة سواء قبل ربيع الغضب أو بعده ، فلابواسييه طرح تساؤلا مهما في هذا الشأن مفاده أنه "كيف أمكن لهذا العدد الهائل من الناس أن يحتملوا أحيانا طاغية واحدا لا يملك من السلطان إلا ما أعطوه ، ولا من القدرة على الأذى إلا بقدر احتمالهم الأذى منه ، ولا يستطيع إنزال الشر بهم لولا إيثارهم الصبر عليه بدلا من مواجهته"؟
فالشعوب هي من تقيد نفسها بنفسها، وهي من تعطي الفرص للحكام لفرض سلطتهم وهي من تكبل نفسها بنفسها ،وهي التي تقهر نفسها بنفسها ، وهي التي تملك بين خيارين إما الرق أو العبودية ، وهي من تدفع الحكام إلى ممارسة التسلط ، بل هي من تضع الأغلال في رقابها وأيديها كما هو الشأن في العديد من الدول العربية وفي دول المغرب الكبير ،حيث فقدت الشعوب حس التطلع إلى الحرية وألفت الخضوع والاستسلام للحاكم المستبد ووضعت مصيرها في يده ، وتخلت عن حريتها إما بدافع الخوف من الحاكم أو بدافع الشعور بفقدان الحرية التي لم تستنشق هوائها على الإطلاق، والتي تؤمن بأن القدر هو من رمى بها لتعيش تحت العبودية ، دون أن تفكر يوما أنها يمكن أن تحصل على حريتها فقط لو استيقظت من سباتها وأعلنت رفضها للاستبداد كيفما كان .
نتمنى من شعوبنا التي أهلكتها الأنظمة المستبدة، والتي أذاقتها الويلات أن تنتفض يوما وتعلن القطيعة مع عقود الظلم والفساد، وأن تتوقف عن مساهماتها الكبيرة في صنع الطغاة عبر ترديد كلمة "نعم" وحذف كلمة "لا" من قاموس التعامل مع الحكام، وجعلها عندها نسيا منسيا لتعطي الحاكم الإشارة لممارسة المزيد من الاستبداد على الشعب الذي سيصبح بخضوعه في نظر المستبد كقطيع من الماشية لايخرج عن طبيعته البهيمية في الخنوع والإذلال ، ليكون بذلك قد فقد خصوصيته الإنسانية المتمثلة في العقل الذي يتميز به عن باقي الكائنات وفي إرادته الحرة التي تمكنه من اختيار من يريده حاكما عليه