ومن وزارة التربية ما يضحك

لاشك أن ما يقع في قطاع التعليم من ثورة عارمة هذه الأيام ، من طرف التلاميذ الذين أعلنوها حربا ضد من هم على رأس هذا القطاع، ردا على برنامج "مسار" الخاص بتدبير التمدرس ، والذي تعتبره الوزارة مكسبا مهما سيعطي إضافة جديدة للمنظومة التعليمية بشكل عام ، يثير أكثرمن تساؤل حول مستقبل التعليم في بلدنا المغرب ، خاصة بعد أن ازدادت حدة الاحتجاجات ضد هذه الحكومة.

إذا كان وزير التربية والتكوين السيد رشيد بلمختار قد خرج على المغاربة وحاول أن يعطي تفسيرا لذلك البرنامج "مسار " الذي أعدته الحكومة ، وهذا من حقه ومن الأشياء الضرورية التي كان عليه اللجوء إليها قبل أن تشتعل نار الاحتجاجات في جميع المدن المغربية ، إلا أنه في المقابل لم يكن صادقا في قوله تماما عندما أكد أن كل التجهيزات موجودة للقيام بهذا المشروع ، وأن الوزارة قامت بتكوين الأساتذة والمسؤولين الإداريين في هذا الشأن.

 جميل جدا أن يدافع السيد بلمختار عن برنامج "مسار" فهذا من حقه، وجميل أيضا أن يعطي مبررات تصب في اتجاه امتصاص شرارة الاحتجاجات التي أرهقت كاهل الحكومة المغربية بشكل عام ، لكن ليس من حقه كمسؤول يحمل على عاتقه أمانة منظومة بأكملها أن يبرر ذلك بمجموعة من الأكاذيب التي ما أنزل الله بها من سلطان ، فماذا يعني أن يتحدث السيد الوزير عن التجهيزات ويؤكد أن جميع المدارس المغربية مجهزة بهذه الوسائل المعلوماتية التي ستستعمل في تطبيق مشروع "مسار" وماذا يعني أن يحاول تضليل المغاربة عن كون الأساتذة أخذوا تكوينا في ذلك.

نحن لا نعرف صراحة عن أي تجهيزات يتحدث سعادة الوزير ؟ وعن أي تكوين يتحدث خاصة وأن هناك من الأساتذة من لم يسمع بهذا البرنامج قط  ؟ ربما سعادة الوزير الذي كانت له اليد الكبرى في الإعلان عن برنامج " مسار" قد تحدث من برجه العاجي دون أن يعرف حقيقة منظومتنا التعليمية التي يندى لها الجبين ، وتقشعر لها الأبدان ، فكيف يتحدثون عن معدات وأجهزة تم رصدها لإنجاح هذا المشروع ومدارسنا ليست إلا صورة من صور الفشل الذي تتخبط به منظومة التعليم ببلدنا الحبيب، والذي يحاولون إخفاءه ببعض الرتوشات التي عفا عنها الزمان والتي لا نعتقد أنها ستعيد للمدرسة المغربية هيبتها ولن تعيد لها مجدها المفقود.

لسنا ضد مسار، ولسنا من أولئك الذين يقفون كحجر تعثر أمام أي إصلاح يمكن أن يسير بقطاع التعليم إلى الأمام ، ولكن نقول إن ما يعرفه قطاع التعليم من فشل سببه برامج عشوائية دأبت الحكومات السابقة على نهجها دون أن تبالي بمستقبل المغاربة وأبناءهم ، والدليل ظاهر للعيان لا أحد يستطيع إخفاءه ، بعد أن ظهرت شمس الحقيقة.

صحيح أننا نتفهم شعور التلاميذ إزاء هذا البرنامج وثورتهم ضده ليس من منطلق دعم الكسالى كما تحاول الحكومة وبعض المحسوبين عليها الترويج له ، ولكن دعما لأبناء المغاربة الذين انتفضوا ضد هذه السياسات الحكومية المتعاقبة والتي تهرف بما لا تعرف والتي تنفذ دون أن تخطط ،طبعا في إطار الشعارات الجوفاء التي اعتاد الشعب المغربي سماعها من هؤلاء كلما وصلوا إلى سدة الحكومة .

على الدوام قطاع التعليم في المغرب لم يسلم من مثل هذه البرامج التي أعادت به إلى الوراء لعقود من الزمن ، بل جاءت متتالية أملتها مصالح من كانوا على الدوام على رأس هذا القطاع ، فما فعله "أخشيشن" هو نفسه ما فعله سلفه السيد الحبيب المالكي الذي دشن لعهد الفشل والإخفاق بدون منازع ، وهو نفسه ما فعله الوفا الوزير الذي وضع العصا في دولاب المنظومة التعليمية ،ولا نستبعد أن يسير بلمختار من اتباع نفس النهج الذي اتبعه سلفه ، لأن ما نراه على الأرض يوحي وبدلالة واسعة أن ما يسميه هؤلاء بالإصلاحات وما يروج له على أنه من صميم الرقي بالمدرسة المغربية ، لا يعدو أن يكون مجرد عمليات سطحية لن تستطيع إيجاد الحل المناسب للسير بالتعليم نحو الأفضل .

على السيد الوزير أن يعرف جيدا أن إصلاح منظومة التعليم ليس عبر الارتجالية في وضع البرامج ، وليس عبر الأصباغ التي تحاول من خلالها الحكومة تغطية تلك المآسي التي يعاني منها قطاع التعليم ، وليس عبر المقاربة الأمنية التي يحاولون من خلالها تركيع الأساتذة الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة ، وإنما الإصلاح يبدأ أولا من رفع الظلم على هذا القطاع وهذا طبعا لن يتأتى إلا بإعادة النظر في أوضاع رجال ونساء التعليم الذين يعانون الأمرين ، والعمل على رد الاعتبار للمدرسة المغربية عبر التخطيط العقلاني والفعال الذي يتم من خلاله إشراك جميع الأطراف، وليس عبر سياسة الإقصاء التي كانت عنوان ما سمي بالإصلاحات زورا وبهتانا .

المغاربة الآن الذين ينتفضون ضد مسار في كل المدن المغربية ليسوا كسالى كما يحلو للبعض تسميتهم  ، بل هؤلاء يتساءلون أكثر من أي وقت مضى عن مصير برامج شبيهة ببرنامج مسار التي ذهبت في مهب الريح، والتي كلفت ميزانية الدولة أموالا طائلة دون أن تحقق الهدف المنشود ، فماذا عن بيداغوجية الادماج التي أنفقت من أجلها الملايير ؟فالإدماج أصبح في خبر كان ، والميزانيات التي تم رصدها لتغطية نفقاته ، كانت مجرد لعبة كان  الكل يعرف نهايتها .

أرجوكم لا تتهموا المغاربة بالكسل ، ولا تحملوهم ما لا يستطيعون به صبرا ، فالأوضاع الكارثية لهذا القطاع والسياسات الحكومية اللامسؤولة هي من فرضت على هؤلاء الخروج للاحتجاج ،ورد الاعتبار للمدرسة المغربية التي تعاني من أزمات لا تنتهي .