الدبلوماسية المغربية والعشق الممنوع

بدأ الكثير من القيل والقال وارتفعت حناجر كل الشرفاء من هذا الوطن العزيز بعد التصريحات المنسوبة لسفير فرنسا بواشنطن، والتي شبه من خلالها المغرب بـالعشيقة حيث قال بالحرف الواحد إن المغرب كالعشيقة التي نجامعها كل ليلة، رغم أننا لسنا بالضرورة مغرمين بها، لكننا ملزمون بالدفاع عنها”لكن إذا كانت كل هذه التصريحات تعبر عن تاريخ فرنسا الاستعماري وعن ماضيها العنصري تجاه المغرب فماذا عن رد فعل المغرب تجاه هذه التصريحات الجارحة التي أساءت للمغاربة جميعا ؟

كنا ننتظر من الحكومة المغربية بعد هذه التصريحات المهينة للمغرب، أن تحرك الدبلوماسية على جميع الأصعدة، وأن تطالب من فرنسا توضيحات في هذا الشأن وأن لا يقتصر رد فعلها على بيان لوزير الاتصال، والذي لا يعدو أن يكون مجرد رسالة رجاء إلى فرنسا لا بيان تأنيب ردا على ما صدر من سفيرها ، فما سمعناه من السيد مصطفى الخلفي ينم عن ضعف الدبلوماسية المغربية ، ويظهر بجلاء عجز هذه الأخيرة عن الدفاع عن مصالح المغاربة ، لأن ما صدر من تصريحات يبين وبالملموس أننا أمام فرنسا الاستعمارية التي من حين لآخر تحن إلى ماضيها السوداوي الذي أهلك الحرث والنسل ولو كان ذلك بإشارات توحي إلى ذلك الحقد الدفين الذي تكنه فرنسا للمغرب على الدوام .

لا أحد ينكر حتى هذه اللحظة عمق العلاقات بين المغرب وفرنسا ،ولا أحد يستطيع القول أن ارتباطنا بفرنسا يمكن أن يتوقف بشكل كلي ، كل هذا غير حاضر في قاموس التعامل مع فرنسا صاحبة القاع والباع في نهج سياسة الاستفزاز والاستعلاء على المغرب ، لكن إذا كنا لا نجادل في العلاقات المغربية الفرنسية وفي أهميتها خاصة فيما يتعلق بالتعاون والشراكة بين البلدين ،فإننا نعتقد أن ما قامت به فرنسا الآن قد تجاوز كل الخطوط الحمراء،  ما يعني أن سياسة التوسل والاستعطاف التي ينهجها المغرب قد عفا عنها الزمان وأصبحت غير صالحة بتاتا للتعامل مع مثل هذه المواقف الخطيرة .

على الدوام عودتنا الدبلوماسية المغربية على الاحتكام إلى العواطف في كل القضايا التي تثار ،والتي تستند فيها إلى تركيبة يطبعها التوسل والمثالية ، بعيدا عن الواقعية والمصالح التي تحكم حقل العلاقات الدولية ، فإن كانت العلاقة بين المغرب وفرنسا تاريخية ومهمة  ولا أحد يستطيع إنكارها، فإنها أيضا يجب أن تبنى على أساس المصالح وأن تتجنب الاحتكام للترضيات المجانية   التي يعلم الكل أنها لن تحقق الأهداف ما دام أن هناك طرفا آخر يعتبر هذه الترضيات ضعفا ويحاول الركوب واستغلالها ، لأن السياسة في الحقيقة أشبه بميدان التجارة توشك العوامل العاطفية أن تنعدم فيها حسب تعبير بسمارك .

يجب على الدبلوماسية المغربية أن تعرف جيدا أن علاقات الود والصداقة لا تبنى بالعواطف الجياشة، ولا بالمناشدات المتكررة كما هو الشأن مع أزمة العشق هذه التي أساءت إلى المغاربة جميعا ، بل أساسها المصالح المتبادلة والتي تجعل من استمرار التعاون بين البلدين أمرا لا بد منه .

لغة البكاء والعويل لم يتم الاحتكام إليها في قضية العشق الممنوع هذه فقط، بل كان لها نصيب الأسد في كل القضايا ، فالملاحظ أن الدبلوماسية المغربية لا تفكر بالمنطق الذي يجعل من المصالح الموجه الوحيد لسلوكها الخارجي ، بل ما تزال تتعامل بما يمكن أن نسميه "دبلوماسية الوهم" التي تعتقد من خلالها أن الدول جميعها تدعم المصالح المغربية فالتعامل مع فرنسا الاستعمارية بهذا المنطق هو نفس التعامل على المارد الأمريكي الذي مازلنا نؤمن بأنه الحليف الاستراتيجي الذي ليس كمثله حليف على الإطلاق ، حتى وصل بنا الأمر إلى الاستكانة إلى أمريكا وسقطنا في مستنقع الانتظارية والاتكالية حتى جاءت الصفعة الكبرى من أمريكا بعد المشروع المتعلق بتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء والتي أكدت وللمرة الألف أن أمريكا منحازة إلى موقف الجزائر والبوليزاريو بدون منازع ، إلا أن هذا لم يحرك ولو شعرة في رؤوس من هم على رأس القرار بالمغرب، حيث لا يفوتون فرصة إلا ويطبلون لأمريكا ولمواقفها البطولية ولا يتوانون بالإشادة بتاريخها وبعمق العلاقات معها وهذا مكمن الخلل كله .

إذا كانت العلاقات بين الدول تبنى على الود والاحترام، فإنها في المقابل تحكمها المصالح التي تجعلها الدول ضمن أولوياتها والتاريخ أثبت ذلك بجلاء ، فكلما كانت المصالح متبادلة كلما كان الاحترام سائدا ، وكلما انتهت المصالح زادت حدة الخلافات بين الدول ، فالبرغم من أن المغرب قد رد على تلك التصريحات المهينة ببيان لوزير الاتصال إلا أن ذلك غير كاف ، فهو مطالب بأن يتعامل بالحزم وبالجدية ، وأن يضع النقط على الحروف فيما يخص علاقاته مع فرنسا ، فكل ما اتخذ من طرف المغرب حتى هذه اللحظة للتصدي لمثل هذه الأعمال الصبيانية لا يكفي للضغط على فرنسا لتقديم الاعتذار للمغرب.

سياسة الانحناء والرضوخ لفرنسا لم تعد تجدي نفعا مع وجود دول لا تهمها الروابط التاريخية ولا تهمها علاقات الود والصداقة ،بقدر ما تهمها أكثر مصالحها التي تجعلها فوق كل اعتبار ،فالتأثير في المواقف يتحدد من خلال قوة المصالح والعلاقات الجيو إستراتيجية ، أما دبلوماسية الاستعطاف والتوسل فلا نعتقد أنها ستكون الحل الأمثل لضمان موقعنا بين الدول .