كورونا ... والضحك الباسل

 

بقلم: بوشعيب حمراوي

ما تعرفه اليوم منصات التواصل الاجتماعي الرقمية، من سخرية زائدة و(ضحك باسل)، في أمور ومواضيع جادة. تزيد من تمييع الهوية المغربية، وانحراف مشاغل وهموم الأطفال والشباب. كما تقتل في المغاربة حبهم الغريزي لوطنهم. و تضعف رغبتهم في الإبداع والاستثمار داخله.

مناسبة الكلام. ما يجتهد فيه بعض المغاربة رواد العوالم الافتراضية. من تسلية وسخرية وهزل و (تنكات)، حول وباء كورونا الذي يعتبر تهديدا حقيقيا للشعوب. بتحقير جهود الدولة، والاستخفاف من الكفاءات والقدرات الطبية والعلمية للكوادر المغربية. وما ينشره البعض من إشاعات وأكاذيب (غير محسوبة)، تزيد المغاربة خوفا وهلعا مجانيا. وتربك سير حياتهم.  في الوقت الذي انضم فيه باقي رواد الانترنيت بالعالم، لدعم محاربة الوباء، والمساهمة في التحسيس والتوعية، وتجندوا لوقف زحفه. ككل مرة، يثار فيها، موضوع دولي، حول انتشار وباء ما، أو فتح نقاش حول مواضيع طبيعية أو بشرية. تخرج كائنات بشرية، من سباتها وعقمها، لتبدأ نشاطها الرقمي السخيف. وتمتهن  أساليب التحقير  و التصغير  و نشر التفاهات. والحقيقة المرة التي يجب الإقرار بها، أن كل تلك التصرفات هي نتاج سلوكات وثقافات ترسخت لديهم، بسبب قصور الأداء الثقافي والتربوي والتعليمي بالبلاد.

لم يعد بالإمكان السكوت على ما يجري ويدور بخصوص واقع الثقافة و التربية بكل أشكالهما التعليمية والوطنية والإبداعية. وما تفرزه من كائنات سياسية ونقابية وجمعوية وحقوقية وفضولية،.. تزاحم الشرفاء والكفاءات والكوادر. حيث الكل باتوا يفقهون في كل شيء.  يفرضون آراءهم في تدبير كل المجالات.. حتى ولو كانت أفكارهم ورؤاهم  تافهة أو تعارض القوانين المنظمة ودستور البلاد.. فسدوا وأفسدوا قطاعات التربية والثقافة والحياة العامة بكل تجلياتها. حقائق توحي وكأن القيمين على قطاعي التربية والثقافة يسبحون في بحور وأودية خارج تراب المغرب. لا من يجتهد من أجل الوصول إلى حلول وبدائل، ولا من يقدم النصائح اللازمة، من أجل بناء (الوطن) الذي نريد. وطن لن يقبل فيه المغربي بتسميته (مواطن)، إلا إذا نال كل حقوقه التي يضمنها له دستور البلاد. وفي مقدمتها التربية والتعليم والثقافة والصحة والكرامة وحرية الرأي.. وطن لمغاربة تنبض قلوبهم بالوطنية، ويفخرون بمغربيتهم.  فالمغربي لن يكون (مواطنا صالحا)، بوطنية وغير أكيدة على سمعة وشرف البلد الذي يحتضنه. إلا إن تجسدت له تلك الروح في من يحكمونه، في سكونه وترحاله. والوطنية لا تقف عند قيام المواطن بالواجبات التي يفرضها الدستور أو المهنة أو الوسط... ولكنها تتجاوزه كل هذا، إلى التضحية والقيام بالأعمال التطوعية والمبادرات الهادفة... ولتحقيق المبتغى لابد أن يكون للمواطن قائد وقدوة في قمة هرم المسؤولية. والقدوة تقتضي الكفاءة والأخلاق وحب خدمة الناس.  فكم من قائد منزل بمظلات السياسة والنقابة والولاءات. يفتقد لكل مقومات القيادة والقدوة ، ولن يرقى أبدا إلى مستوى الريادة. وكم من رائد حكم عليه بالتهميش والانزواء والاندثار التدريجي. 

لماذا نحصر مصطلح (التربية) الذي يخص الإناث والذكور بمختلف فئاتهم العمرية والمجتمعية. داخل المنازل والمدارس والدور القرآنية.. وغيرها من المرافق التعليمية؟. ولماذا سميت وزارة التعليم الابتدائي والثانوي، بوزارة التربية الوطنية. عوض أن تخلص لأهدافها الرئيسية في التعليم والتكوين. وتكتفي باسم وزارة التعليم فقط أو التعليم والتكوين. وأن تعي بأن التربية الوطنية هي جزء من التعليم. المفروض أن يترسخ في كل مغربي أينما حل وارتحل. وأن برامج التربية الوطنية لا يجب أن تكون حكرا على التلميذ والطالب. بل يجب أن تتعداهما، لتصل إلى العامل والموظف والتاجر وكل فئات المجتمع. وأن تكون برامج جادة ودائمة التجديد والعصرنة.

ولماذا نحصر مصطلح (الثقافة) داخل دور ومراكز الثقافة التابعة لوزارة هي الأخرى تحتكر اسم (الثقافة) ؟. علما أن مفهوم الثقافة، يشمل  حركات وسكون كل الناس في حيواتهم الخاصة والعامة. وأن مستوى المثقف يقاص بالرصيد المعرفي والإدراكي والتفاعلي، للأمور والقضايا والمشاغل الإنسانية التي تتعدى وتفوق وتتجاوز حقيبة وزارة الثقافة. والتي قد لا تكون لها علاقة بالرصيد التعليمي والعلمي و اللغوي. 

     لن نحصل على مسار تنمية صحيح ومجد دائم، ما دمنا نسجن التربية الوطنية والثقافة داخل حقائب وزارية. ونضع مفاتيح تلك الحقائب في أيادي من يحترفون السياسة والمهووسون بالتموقع والقيادة. الذين يمزجون كل برامجهم ومخططاتهم ورؤاهم بأهدافهم السياسية. ونواياهم الحزبية.  ويسطرون برامج تظهر الثقافة، كواجهة أو (فيترينا) لأهداف ومقاصد تخدم نواياهم وأهدافهم الخاصة.

لن نحقق نموذجا تنمويا بديلا، ونحن نحصر (قيم المواطنة) في الخضوع والخنوع والامتثال للنخب. ونحصر الوطن في البلد، ونقيس درجة المواطنة بمستوى الولاءات للمسؤولين. لن نتقدم شبرا واحدا عن رفقائنا داخل عدة دول، العالقين منذ سنوات في وحل (الانتقال الديمقراطي)، والمصنفين منذ عقود ضمن ما يعرف ب(دول العالم الثالث) أو (الدول السائرة في النمو) .. ما دمنا لا  نغذى أطفالنا وشبابنا بقيم المواطنة الحقة، التي تفرضها الإنسانية والطبيعة بكل تجلياتها. لن نرقى بتعليمنا وثقافتنا، في ظل ما يعرفه القطاعين من قصور وتجاوزات وثغرات.. وما دامت المبادرات والمخططات والمشاريع والرؤى الحكومية دخيلة ومستوردة، يسكنها الهاجس الأمني والرغبة في الهيمنة والاستمرار تحت وصاية (العم سام) و(الخالة فرنسا) ومن يدور في فلكهما. حيث وهم الأمان وزيف التنمية.

لن نختزل (قيم المواطنة) في الامتثال لقوانين ومساطر لا تخدم الإنسانية برمتها. لأنه من العيب والعار أن نسمي سلوكات تخدم فئة بشرية، وتضر فئات أخرى، بقيم المواطنة.

لأن قيم المواطنة يجب أن تدخل ضمن قيم الإنسانية المطلقة والمفروض أن تضمن حقوق وواجبات كل إنسان بغض النظر عن جنسه أو عرقه أو دينه أو بلده..

إن المواطنة الحقة تقتضي أن يحظى أطفالنا وشبابنا بالتربية اللازمة في كل المجالات السلوكية والتعليمية والثقافية والصحية والرياضية و... وأن يكون هناك في قمة الهرم شرفاء يؤمنون بقدرة الأجيال على تسريع عمليات الانتقال بدون حاجة إلى دعم ملغم  هم أصحابه ثرواتنا الطبيعية وتدمير طاقاتنا البشرية  وإعادة الاحتلال.. هي إذن دعوة للإيمان والتحلي بروح الإصلاح لمفاهيم التربية قبل الانكباب على تنفيذ إصلاحات في معظمها غير جادة، تزيد الشعب إحباطا ويأسا وانحطاطا..          

فكما أن الثقافة والتربية مفهومان لا يمكن أن تسعهما حقائب وزارية، وأن رقيهما يفرض إطلاق سراحهما، وتمكين روادهما من حرية التنقل بين كل القطاعات العمومية والخاصة. وتأمين حركيتهما.فإن المواطنة لن تقبل بربطها بنزوات حكام أو مسؤولين، ولن تعيش وتنمو في بلد يهمش ويحتقر الكفاءات والكوادر. ويجعل الجهلة والمفسدين قيمين عليها.

فهل تستفيق النخب، من سباتها، وتدرك أنها ماضية في ضرب كل شيء جميل بهذا البلد الأمين. وأن ما تعيشه من نعيم اليوم، على حساب المستضعفين، لن يدوم. وأنه عاجلا أم آجلا سيتحول النعيم إلى جحيم. لأنه ما ضاع حق وراءه مطالب. والشعب المغربي مصر الآن وأكثر من أي وقت مضى على الإنصاف. وقد صمم على أنه لا بديل عن ثورة جديدة للملك والشعب. من أجل تبديد النخب الفاسدة. وإعادة هيكلة البلاد بالكفاءات والطاقات الجادة والخلاقة.